[بلاغة الكلام والمتكلم]
  حصوله لتحصل - أمران:
  الأول: تمييز الكلام الفصيح من غيره، وإلا لربما(١) أُدِّيَ الكلامُ المطابق لمقتضى الحال غيرَ فصيحٍ(٢) فلا يكون بليغا؛ لوجوب الفصاحة في البلاغة.
  الثاني: الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد(٣)، وإلا لربما أُدِّي المعنى المراد بلفظ فصيح غير مطابق لمقتضى الحال فلا يكون بليغًا.
  أما الأول(٤): فبعضه يعرف من علم اللغة، وهي الغرابة. وبعضه من علم التصريف، وهو مخالفة القياس. وبعضه من علم النحو، وهو ضعف التأليف، والتعقيد اللفظي. وبعضه يدرك بالحسِّ، وهو التنافر. فاستغني عن ذكر ما يعرف به في هذا الكتاب وغيره من كتب البلاغة. وهذا الذي يعرف من هذه العلوم ويدرك بالحس ما عدا التعقيد المعنوي. فلم يبق مما ترجع إليه البلاغة إلا الثاني، وكذلك ما يحترز به عن التعقيد المعنوي على ما تقدم(٥)، فوضع للثاني - أعني ما يحترز به عن الخطأ في تأدية المعنى المراد - علمُ المعاني، ولِمَا يحترز به عن التعقيد المعنوي: علمُ البيان، وللوجوه التابعة للبلاغة: علمُ البديع.
  وأشار إلى الأول بقوله: (وحافظ ..) البيت. وليس في المعاني الأول والثاني الإيطاء(٦)؛ لاختلاف المعنى؛ لأن الأول: جمع، والثاني: مفرد.
(١) أي: وإن لم يحصل التمييز بأن لم يتميز الفصيح من غيره وأتي بالكلام اتفاقياً أمكن أن يؤتى به غير فصيح فتنتفي البلاغة، بل الغالب حينئذ ذلك.
(٢) كما لو قيل: «أنفك مسرَّج، وشعرك مستشزر»، فهذا مطابق لمقتضى الحال، إلا أنه غير فصيح.
(٣) قوله «المعنى المراد» أي ما أراده البليغ من الغرض المصوغ له الكلام.
(٤) أي: تمييز الفصيح من غيره. مخلوف.
(٥) قوله: «على ما تقدم»، أي: وهذا - أي: قولك: وكذلك ... الخ - جار على ما تقدم إفادته لك، وهو أن ما ذكر من هذه العلوم لا يحترز به عن التعقيد المعنوي، والمقيد هو قوله: «وهذا الذي يعرف ... إلخ». مخلوف.
(٦) الإيطاء: هو إعادة القافية. وهو عيب.