الباب الأول: أحوال الإسناد الخبري
  واستدل الجاحظ بقوله تعالى: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ}[سبأ ٨]، لأن الإخبار حال الجنة(١) غير الكذب؛ لأنه قسيمه، وغير الصدق؛ لأنهم يعتقدون عدم صدقه، فثبتت الواسطة.
  ورُدَّ بأن المعنى(٢): أم لم يفترِ، فعبر عن عدم الافتراء بالجِنَّة؛ من جهة أن المجنون لا افتراء له؛ لأن الافتراء: الكذب عن عمد، فهذا حصر للخبر الكاذب بزعمهم في نوعيه، أي: الكذب عن عمد، ولا عن عمد(٣)
  قال:
  الحُكْمُ بالسلبِ أوِ الإيجابِ ... إِسْنادُهمْ. وَقَصْدُ ذي الخِطابِ
  إفادةُ السامعِ نَفْسَ الحكْمِ ... أوْ كَوْنَ مُخْبِرٍ به ذا عِلْم
  فأولٌ فائدةٌ والثاني ... لازِمُها عِنْدَ ذوي الأذهان
  أقول: (إسنادُهم): - أي: الخبري؛ بدليل ما في الترجمة - معرَّفٌ، و (الحكم بالسلب أو الإيجاب): تعريفٌ. والمراد: الحكم بأن النسبة واقعة كـ: «زيد قائم»، أو ليست بواقعة كـ: «زيد ليس بقائم».
  ولا مخالفة بين هذا التعريف وما تقدم؛ لمراعاة المعنى هنا واللفظ هناك؛ لأن الخبر يكون معقولا وملفوظاً، فالتعريفان بالاعتبارين.
  وقوله: (وقصد ..) إلى آخر البيت الثاني: المراد بذي الخطاب: المخبِر، أي: الذي هو بصدد الإخبار والإعلام، لا كل مُخبِر(٤)؛ إذ قد يكون مقصود المخبِر إظهار الضعف، نحو: {إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي}[مريم ٤]، أو التحزن والتحسر، نحو: {إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى}[آل عمران ٣٦]؛ إذ المولى سبحانه عالم بالفائدة ولازمها في
(١) أي: المذكور في قوله: {أَم بِهِ جِنَّةٌ}.
(٢) أي: معنى: {أَم بِهِ جِنَّةٌ}.
(٣) وحينئذ فالإخبار حال الجنة كذب أيضا؛ فلا واسطة. دسوقي.
(٤) لفظ المطول: «لا شك أن قصد المخبر» أي: من يكون بصدد الإخبار والإعلام، لا من يتلفظ بالجملة الخبرية؛ فإنه كثيرًا ما تورد الجملة الخبرية لأغراض أخرى، مثل: إظهار التحسر نحو: قوله تعالى: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى}[آل عمران ٣٦]، أو إظهار الضعف نحو: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي}[مريم ٤]. بتصرف.