الباب الأول: أحوال الإسناد الخبري
  فشقيق لا ينكر أن في بني عمه رماحًا، لكن مجيئه واضع الرمح على العَرْض من غير التفات وتهيؤ أمارة أنه يعتقد أن لا رمح فيهم، بل كلهم عُزْلٌ، أي: لا سلاح معهم، فنُزِّل منزلة المنكر، وأُكِّدَ له الخطاب. وهذا معنى قوله: (وألحقوا أمارة الإنكار به)، أي: بالإنكار، أي: ألحقوا عدم الإنكار المصاحب لأمارة الإنكار بالإنكار.
  وقوله: (كعكسه) أي: جعل المنكر كالمقرِّ إذا كان معه دلائل وشواهد لو تأملها ارتدع عن إنكاره، فلا يؤكد له، وهو المراد(١) بقوله: (لنكتة لم تشتبه)، كقولك لمنكر الإسلام: «الإسلام حق» بلا تأكيد؛ لأن مع المنكر(٢) دلائل دالة على حقية الإسلام. وأما تمثيل الأصل(٣) بقوله تعالى: {لاَ رَيْبَ فِيهِ}[البقرة ٢] فليس من هذا القبيل(٤)، بل تنظير للمسألة(٥) بتنزيل وجود الشيء منزلة عدمه، بناء على وجود ما يزيله، فإنه نَزَّل ريبَ المرتابين منزلة عدمه، تعويلًا على ما يزيله حتى صح نفي الريب على سبيل الاستغراق، كما نزل الإنكار منزلة عدمه؛ لذلك، حتى صح ترك التأكيد.
(١) قوله: «وهو المراد ... إلخ» أي: كون المنكر معه من الدلائل، فيكون قول المصنف: «لنكتة» راجعا لقوله: «كعكسه» فقط. مخلوف.
(٢) معنى كونه مع المنكر: أن يكون معلوما له أو محسوسا عنده.
(٣) المراد بالأصل: تلخيص مفتاح العلوم لجلال الدين القزويني (ت ٧٣٩ هـ).
(٤) لأن الخطاب للنبيء ÷ ولأصحابه ولا إنكار لهم حتى يجعلوا كغير المنكرين فيترك التأكيد.
(٥) قوله: للمسألة أي: مسألة جعل المنكر كغير المنكر. وقوله: بتنزيل الباء سببية، أي أن التنظير حصل بسبب تنزيل وجود الشيء منزلة عدمه في كلٍّ بناء على وجود ما يزيله. مخلوف