الباب الأول: أحوال الإسناد الخبري
  · إما لفظية، كقولك: «شيَّبَ رأسي توالي الهموم والأحزان، ولكن(١) الله يفعل ما يشاء».
  · وإما معنوية، وهي أنواع: كاستحالة قيام المسند بالمسند إليه عقلًا، نحو: «محبتك جاءت بي إليك(٢)»؛ لظهور استحالة قيام المجيء بالمحبة؛ لأن العَرَض لا يقوم بالعَرَض. أو عادة نحو: «هزم الأمير الجند»؛ لاستحالة قيام هزم الجند بالأمير وحْدَهُ عادةً، وإن كان ممكنًا عقلًا.
  أو صدوره(٣) من الموحد في مثل: «أنبت الربيع البقل».
  ثم الفعل في المجاز العقلي يجب أن يكون له فاعل أو مفعول به إذا أسند إليه يكون حقيقة، فمعرفة ذلك(٤) قد تكون ظاهرة كقوله تعالى: {فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ}[البقرة ١٦]، أي: فما ربحوا في تجارتهم، وقد تكون خفية لا تظهر إلا بعد نظر وتأمل، نحو: «سرتني رؤيتك» أي: سرني الله وقت رؤيتك.
  وهذا مذهب الأصل، وقال الشيخ عبد القاهر: لا يجب في المجاز العقلي أن يكون الفعل له فاعل إذا أسند إليه يكون الإسناد حقيقة؛ فإنه ليس لـ: «سرتني» ونحوه فاعل يكون الإسناد إليه حقيقة. وبيان مراده(٥) مذكور في المطولات.
  وأنكر السكاكي(٦) المجاز العقلي، وقال: الذي عندي نظمه في سلك
(١) فقوله: «ولكن الله ... إلخ» دل على أنه يسند الأفعال إلى الله، وأن إسناد الشيب إلى التوالي متجوز فيه عنده. مخلوف.
(٢) وأصله: نفسي جاءت بي إليك لأجل المحبة، فالمحبة سبب داع إلى المجيء لا فاعل له، فلما كانت المحبة مشابهة للنفس من حيث تعلق المجيء بكل منهما صح الإسناد للمحبة على جهة المجاز. دسوقي.
(٣) عطف على «استحالة» أي: وكصدور الكلام عن الموحد. سعد.
(٤) أي معرفة فاعل الفعل أو مفعوله الذي إذا أسند إليه يكون حقيقة.
(٥) مراده نفي وجوب فاعل محقق في الخارج أسند إليه الفعل حقيقة إسناداً يعتد به بأن يقصد في العرف والاستعمال إسناد الفعل إلى ذلك الفاعل، وأما أن الموجد هو الله تعالى فلا نزاع فيه، إنما النزاع في الفاعل بالوجه المذكور، فليس مراده أن الفعل قد يخلو عن الفاعل رأساً. أفاده الصبان. تمت مخلوف
(٦) السكاكي هو: أبو يعقوب يوسف بن محمد بن علي السكاكي صاحب كتاب مفتاح العلوم (ت ٦٢٦ هـ).