الباب الثاني: في المسند إليه
  عَن نَّفْسِهِ}[يوسف ٢٣]، فإن الغرض المسوق له الكلام هو نزاهة يوسف - عليه الصلاة والسلام -، فلو قيل: «راودته امرأة العزيز أو زليخا» لم يفد ما أفاده الموصول باعتبار صلته، فهو أدلُّ على الغرض المسوق له، وهو النزاهة؛ لأنه إذا كان في بيتها وتمكن من نيل المراد منها(١)، ومع ذلك عفَّ عنها ولم يفعل - كان ذلك غاية في النزاهة عن الفحشاء.
  وقيل: معناه زيادة تقرير المسند، أعني المراودة؛ لما فيه(٢) من فرط الاختلاط والأُلفة(٣)، فلو قال: «زليخا أو امرأة العزيز» لم يفد ما أفاده الموصول من ذكر السبب، الذي هو قرينة في تقرير المراودة باعتبار كونه في بيتها.
  وقيل: هو تقرير للمسند إليه؛ لإمكان وقوع الإبهام والاشتراك في امرأة العزيز أو زليخا(٤) لو ذكر أحدهما، ولا يتأتى ذلك في: {الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا}؛ لأنها واحدة معينة مشخصة(٥).
  ومنها: الهُجْنَة(٦)، أي: استقباح ذكر المسند إليه، نحو: «جاء الذي لقيك أمس» تريد رجلًا اسمه الكلب.
  ومنها: التوهيم، أي: إظهار وهم المخاطب، أي: غلطه وخطئه في اعتقاده، نحو: {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا}[العنكبوت ١٧]، ومنه: قول الشاعر [الكامل]:
(١) قوله: «لأنه إذا كان في بيتها» إلى قوله: «منها» أي: وهذا ما يقتضيه الموصول. مخلوف. والحاصل أن الغرض المسوق له الكلام يدل عليه كل من الموصول واسم الجنس الذي هو امرأة العزيز، والعَلَم الذي هو زليخا، إلا أن الموصول يدل على ذلك أكثر من غير لأنه يقتضي أنه تمكن منها ولم يفعل، بخلاف غيره فإنه لا يدل على التمكن. دسوقي.
(٢) أي: في الكون في بيتها الذي يدل عليه الموصول بصلته. مخلوف.
(٣) من فرط الاختلاط: أي زيادته وشدته، والأُلفة - بالضم -: الاسم من الائتلاف.
(٤) قوله: «في امرأة العزيز» راجع للإبهام، وقوله: «أو زليخا» راجع للاشتراك، وعبر في الأول بالإبهام وفي الثاني بالاشتراك؛ لأن الأول اسم جنس ففيه إبهام، والثاني عَلَم يقع فيه الاشتراك اللفظي.
(٥) لأنه معلوم من خارج أن التي هو في بيتها زليخا امرأة العزيز. دسوقي.
(٦) الهجنة: الكلام المعيب المستقبح. شرح الأخضري.