حلية اللب المصون بشرح الجوهر المكنون،

أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري (المتوفى: 1192 هـ)

الباب الثاني: في المسند إليه

صفحة 88 - الجزء 1

  بُعْدَ درجته ورفعةِ قدره منزلةَ بُعْد المسافة، ومنه: {تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ}⁣[البقرة ٢٥٢]، و: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ}⁣[يونس ١]، وغير ذلك.

  ومنها: الحَطُّ، أي: التحقير بالقرب، نحو: {وَمَا هّذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ}⁣[العنكبوت ٦٤] نُزِّلَتْ دناءتها وخسة قدرها منزلةَ قرب المسافة، وبالبعد نحو: «ذلك الفاسق فعل كذا⁣(⁣١)».

  ومنها: التنبيه عند ذكر أوصاف بعد المشار إليه على أن المشار إليه حقيق بما يرد بعد اسم الإشارة بسبب تلك الأوصاف⁣(⁣٢)، نحو: {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}⁣[البقرة ٥]، فأتى بعد المشار إليه وهو: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ}⁣[البقرة ٣] بأوصاف متعددة من: الإيمان بالغيب، وإقام الصلاة، وغير ذلك⁣(⁣٣)، ثم عرَّف المسند إليه بالإشارة إليه تنبيها على أن المشار إليهم أحِقَّاء بما يرد بعد: {أُوْلَئِكَ} - وهو كونهم على الهدى عاجلًا، والفوز بالفلاح آجلًا - من أجْل⁣(⁣٤) اتصافهم بالأوصاف المذكورة.

  ومنها: التفخيم، ولم يذكره الأصل اكتفاء بالتعظيم، وزاده المصنف؛ لأن فيه زيادة التعظيم، نحو: «هذا زيد الذي تسمع به».

  قال:

  وكونُهُ باللَّامِ في النَّحوِ عُلِمْ ... لكِنَّ الاسْتِغْراقَ فِيهِ يَنْقَسِمْ

  إلى حقيقيٍّ وَعُرْفيٍّ وَفي ... فَردٍ⁣(⁣٥) مِنَ الجَمْعِ أَعَمُّ فَاقْتُفي

  أقول: من مرجحات كون المسند إليه معرَّفًا باللام: الإشارة بها إلى معهود⁣(⁣٦) أو حقيقة.


(١) تنزيلا لبعده عن ساحة عِزِّ الحضور والخطاب منزلة بعد المسافة. سعد.

(٢) وبعبارة أخصر منها: التنبيه على أن المشار إليه المعقَّب بأوصاف جدير بما يذكر بعد اسم الإشارة.

(٣) أي: كالإنفاق مما رزقوا. دسوقي.

(٤) «من أجل» متعلق بـ «أحقاء». مخلوف.

(٥) قوله: «وفي فرد» الواو استئنافية، والظرف حال من الضمير في خبر المبتدأ المحذوف العائد إلى الاستغراق.

(٦) أي: إلى حصة من الحقيقة - أي: من أفرادها - معهودة تلك الحصة - أي: معينة - بين المتكلم والمخاطب واحدا كان أو اثنين أو أكثر، وذلك كما إذا قلت: «جاءني رجل أو رجلان أو ثلاثة» فيقال: «أكرم الرجل أو الرجلين أو الرجال.