الباب الثاني: في المسند إليه
  بُعْدَ درجته ورفعةِ قدره منزلةَ بُعْد المسافة، ومنه: {تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ}[البقرة ٢٥٢]، و: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ}[يونس ١]، وغير ذلك.
  ومنها: الحَطُّ، أي: التحقير بالقرب، نحو: {وَمَا هّذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ}[العنكبوت ٦٤] نُزِّلَتْ دناءتها وخسة قدرها منزلةَ قرب المسافة، وبالبعد نحو: «ذلك الفاسق فعل كذا(١)».
  ومنها: التنبيه عند ذكر أوصاف بعد المشار إليه على أن المشار إليه حقيق بما يرد بعد اسم الإشارة بسبب تلك الأوصاف(٢)، نحو: {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[البقرة ٥]، فأتى بعد المشار إليه وهو: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ}[البقرة ٣] بأوصاف متعددة من: الإيمان بالغيب، وإقام الصلاة، وغير ذلك(٣)، ثم عرَّف المسند إليه بالإشارة إليه تنبيها على أن المشار إليهم أحِقَّاء بما يرد بعد: {أُوْلَئِكَ} - وهو كونهم على الهدى عاجلًا، والفوز بالفلاح آجلًا - من أجْل(٤) اتصافهم بالأوصاف المذكورة.
  ومنها: التفخيم، ولم يذكره الأصل اكتفاء بالتعظيم، وزاده المصنف؛ لأن فيه زيادة التعظيم، نحو: «هذا زيد الذي تسمع به».
  قال:
  وكونُهُ باللَّامِ في النَّحوِ عُلِمْ ... لكِنَّ الاسْتِغْراقَ فِيهِ يَنْقَسِمْ
  إلى حقيقيٍّ وَعُرْفيٍّ وَفي ... فَردٍ(٥) مِنَ الجَمْعِ أَعَمُّ فَاقْتُفي
  أقول: من مرجحات كون المسند إليه معرَّفًا باللام: الإشارة بها إلى معهود(٦) أو حقيقة.
(١) تنزيلا لبعده عن ساحة عِزِّ الحضور والخطاب منزلة بعد المسافة. سعد.
(٢) وبعبارة أخصر منها: التنبيه على أن المشار إليه المعقَّب بأوصاف جدير بما يذكر بعد اسم الإشارة.
(٣) أي: كالإنفاق مما رزقوا. دسوقي.
(٤) «من أجل» متعلق بـ «أحقاء». مخلوف.
(٥) قوله: «وفي فرد» الواو استئنافية، والظرف حال من الضمير في خبر المبتدأ المحذوف العائد إلى الاستغراق.
(٦) أي: إلى حصة من الحقيقة - أي: من أفرادها - معهودة تلك الحصة - أي: معينة - بين المتكلم والمخاطب واحدا كان أو اثنين أو أكثر، وذلك كما إذا قلت: «جاءني رجل أو رجلان أو ثلاثة» فيقال: «أكرم الرجل أو الرجلين أو الرجال.