الباب الثاني عشر في الايجاز والاطناب والمساواة وفيه خمسة مباحث
  فلا هجره يبدو وفي اليأس راحة ... ولا وصله يبدو لنا فنكارمه
  فإن قوله: فلا هجره يبدو، يشعر بأن هجر الحبيب أحد مطلوبيه، وغريب أن يكون هجر الحبيب مطلوبا للمحب، فقال: (وفي اليأس راحة) لينبه إلى السبب.
  ومما جاء بين كلامين متصلين معنى، وهو أكثر من جملة أيضا، قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ}(١)، فإن قوله: نساؤكم حرث لكم، بيان لقوله: فأتوهن من حيث أمركم الله، لإفادة أن الغرض الأصلي من الإتيان هو طلب النسل لا قضاء الشهوة فقط، وما بينهما اعتراض للترغيب فيما أمروا به، والتنفير عما نهوا عنه.
  ٩ - النفي والإثبات بأن يذكر الشيء على جهة النفي، ثم يثبت أو بالعكس نحو: {وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ}(٢)، نفى عنهم أولا العلم بما خفى عليهم من تحقيق وعده، ثم أثبت لهم آخرا العلم بظاهر الحياة الدنيا دون ما كان مؤديا الى الجنة.
  ١٠ - ما كان كقولهم: رأيته بعيني، وقبضته بيدي، ووطئته بقدمي، وذقته بلساني - يذكرون الظروف فيما يصعب حصوله، دلالة على أن نيله ليس بمتعذر، وعلى هذا جاء قول البحتري:
  تأمل من خلال السجف وانظر ... بعينك ما شربت ومن سقاني
  تجد شمس الضحى تدنو بشمس ... إليّ من الرحيق الخسرواني(٣)
  فحضور مثل هذا المجلس نادر، ولا سيما اذا كان الساقي فيه على ما وصف من الحسن، ومن ثم قال: انظر بعينك.
  (تنبيه) قد يوصف الكلام بالإيجاز والاطناب باعتبار كثرة حروفه وقلتها بالنسبة الى كلام آخر مساويا له في أصل المعنى كقول الشماخ يمدح عرابة الأوسي:
(١) سورة البقرة الآية ٢٢٣.
(٢) سورة الروم الآية ٦.
(٣) السجف بالكسر والفتح: الستار، والخسرواني ضرب من الثياب منسوب لبلاد فارس.