الباب الثاني في الحقيقة والمجاز وفيه عشرون مبحثا وتتمة
  وأشباه ذلك، مما تجده لشهرته يجري مجرى الحقيقة، فليس هو كذلك، بل يدق ويلطف حتى يأتيك بالبدعة لم تعرفها والنادرة تأنق لها.
  (الثاني) قال الإمام أيضا: واعلم أنه ليس بواجب في هذا المجاز أن يكون للعمل فاعل في التقدير اذا أنت نقلت الفعل اليه عدت به الى الحقيقة، مثل أن تقول في ربحت تجارتهم: ربحوا في تجارتهم، فإن ذلك لا يأتي في كل شيء، ألا ترى أنه لا يمكنك أن تثبت للفعل في قولك: أقدمني بلدك حق لي على إنسان، فاعلا سوى الحق، وكذلك لا تستطيع في قول أبي نواس:
  يزيدك وجهه حسنا ... إذا ما زدته نظرا
  وقول ابن البواب:
  وصيرني هواك وبي ... لحيني يضرب المثل
  أن تزعم أن ليزيد قائلا قد نقل عنه الفعل فجعل للوجه، ولا لصيرني فاعلا غير الهوى، فالاعتبار إذا بأن يكون المعنى الذي يرجع اليه الفعل موجودا في الكلام على حقيقته، معنى ذلك أن القدوم في المثال المتقدم موجود على الحقيقة، وكذلك الزيادة والصيرورة موجودتان على الحقيقة، وإذا كان معنى اللفظ موجودا على الحقيقة لم يكن المجاز فيه نفسه بل لا محالة في الحكم.
  (الثالث) هذا المجاز كما يجري في الخبر كما سلف يجري في الإنشاء، كقوله تعالى: {وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً}(١)، وقوله تعالى: {فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً}(٢)، وقوله ø: {فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى}(٣)، وقوله عز وعلا: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ}(٤)، فإن البناء والابقاء فعل العملة وهامان سبب آمر، وهكذا يقال فيما بعده.
  (الرابع) أنكر السكاكي هذا المجاز وقال: الذي عندي نظمه في سلك الاستعارة بالكناية يجعل الربيع مثلا في قولك: أنبت الربيع البقل، استعارة بالكناية عن الفاعل الحقيقي بواسطة المبالغة في التشبيه، وجعل نسبة الإثبات اليه
(١) سورة غافر الآية ٣٦.
(٢) سورة القصص الآية ٣٨.
(٣) سورة طه الآية ١١٧.
(٤) سورة هود الآية ٨٧.