علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

المبالغة - آراء العلماء فيها - أقسامها

صفحة 338 - الجزء 1

  ونحوه قول المتنبي:

  كفى بجسمي نحولا أنني رجل ... لو لا مخاطبتي إياك لم ترني

  (ب) أن يجيء مجردا عما ذكر، كقول عمرو بن الأيهم التغلبي:

  ونكرم جارنا ما دام فينا ... ونتبعه الكرامة حيث مالا

  فقد ادعى أنه يتبع جاره الكرامة حيث سار، وهذا ليس بجائز في شرعة العادة، وإن أجازه العقل.

  ٣ - والغلو ما يكون المدعي فيه غير ممكن لا عادة ولا عقلا، وهذا مسرح الشعراء المفلقين في مدحهم وهجوهم، وهو على قسمين: مقبول، ومردود.

  فالمقبول أنواع:

  ١ - أن يقترن به ما يقرّ به الى الإمكان كلفظ يكاد في قول ابن حمديس:

  ويكاد يخرج سرعة من ظله ... لو كان يرغب في فراق رفيق⁣(⁣١)

  وأجمل منه قوله تعالى: {يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ}⁣(⁣٢).

  ٢ - أن يتضمن نوعا حسنا من تخييل الصحة، كقول أبي الطيب:

  عقدت سنابكها عليها عثيرا ... لو تبتغي عنقا عليه لأمكنا⁣(⁣٣)

  فقد ادعى تراكم الغبار المرتفع من سنابك الخيل فوق رؤوسها بحيث صار أرضا يمكن السير عليها، وهذا وإن كان غير ممكن، يخيل الى الوهم من ادعاء كثرته وكونه كالجبال صحته، وقد اجتمع السبب الأول والثاني في قول القاضي الأرّجاني يصف طول الليل:

  يخيّل لي أن سمر الشهب في الدجى ... وشدت بأهدابي اليهن أجفاني

  ٣ - أن يخرج مخرج الخلاعة والهزل كقوله:

  «أسكر بالأمس إن عزمت على الشرب غدا إن ذا من العجب».


(١) يصف فرسا بسرعة الجري.

(٢) سورة النور الآية ٣٥.

(٣) السنابك: حوافر الخيل، والكثير: الغبار، والعنق: السير السريع، وضمير عليها يعود للخيل.