علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

الباب الأول في الخبر وفيه خمسة مباحث

صفحة 51 - الجزء 1

  وقول بعض العرب:

  فغنها وهي لك الفداء ... إن عناء الإبل الحداء

  وقول بشار:

  بكرا صاحبي قبل الهجير ... إن ذاك النجاح في التكبير

  (٢) أن ينزل من لا ينكر الخبر منزلة من ينكره تهكما به إذا لاح عليه شيء من أمارات الإنكار كقول حجل بن نضلة القيسي، وهو من أولاد عم شقيق:

  جاء شقيق عارضا رمحه ... إن بني عمك فيهم رماح

  فمجيء شقيق هكذا مدلا بنفسه معجبا بشجاعته، واضعا رمحه عرضا⁣(⁣١)، دليل على صلفه وزهوه ببسالته، واعتقاده أنه لن يجد مقاوما من بني عمه، حتى كأنهم عزل ليس معهم ما يدافعون به، ومن ثم نزله منزلة المنكر، وخاطبه بالشطر الثاني خطاب التفات بعد غيبة، تهكما به، ورميا له بالنزق، وخرق الرأي.

  (٣) أن يجعل المنكر كأنهم غير منكر، فلا يعتد بإنكاره، لأن أمامه من الدلائل الساطعة والبراهين القاطعة، ما فيه مقنع له لو أزال تلك الغشاوة عن عينيه والتفت الى ما يحيط به، وعليه قوله تعالى خطابا لمنكري الوحدانية: {وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ}⁣(⁣٢) إذ العقل قاض بأن تعدد الآلهة يقتضي تخالف أفعالهم لاختلاف علومهم وإرادتهم، وكل منهم له التصرف في السموات والأرض، والقدرة على إيجاد الممكنات فتتضارت أفعالهم ويفسد نظام الكون، والمشاهد أنه على أتم نظام، فهو الواحد لا شريك له.

  (٤) أن ينزل العالم بالفائدة ولازمها منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب العلم (وهو العمل به) كما تقول لمن يسيء الى أبيه ويقسو عليه: هذا أبوك فأحسن اليه. فكأنك تقول له: إن هذه المعاملة لتدل على أنك تجهل أبوته لك.

  وهذا كله اعتبارات الإثبات، وقس عليه اعتبارات النفي كقولك: ليس زيد منطلقا وبمنطلق، وو الله ليس على المنطلق، وهكذا.


(١) بأن يجعل الرمح على فخذيه وهو راكب بحيث يكون عرضه جهة العدو.

(٢) سورة البقرة الآية ١٦٣.