المبحث الخامس في الجملة الاسمية والفعلية
  وقد تفيد الاستمرار التجددي شيئا فشيئا بمعونة القرائن اذا كان الفعل مضارعا، ومن البيّن في ذلك قوله تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ}(١)، فالقصد الدلالة على حدوث التسبيح من الجبال آنا إثر آن، وحالا بعد حال. ونحوه قول طريف بن تميم العنبري يتمدح بجرأته وشجاعته:
  أو كلما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا الى عريفهم يتوسم(٢)
  إذ يريد أن كل قبيلة ترد سوق عكاظ تبعث عريفها ليتفرس في وجوه القوم مرة بعد أخرى، ويتوسمها وقتا بعد وقت، لعله يهتدي الى معرفتي. وقول المتنبي:
  تدبر شرق الأرض والغرب كفه ... وليس لها يوما عن الجود شاغل
  فقرينة المدح تدل على أن تدبير الملك ديدنه وحاله المستمرة التي لا يحيد عنها.
تنبيهات
  ١ - الجملة الاسمية إنما تفيد الدوام والثبات بقرينة المقام اذا كان خبرها مفردا أو جملة اسمية، نحو: محمد كريم، على أبوه جواد. أما اذا كان خبرها جملة فعلية فإنها تفيد التجدد.
  ٢ - المسند تارة يكون مفردا فعلا كان أو اسما، وطورا يكون ظرفا للأختصار، نحو: البركة في البكور. وحينا يكون جملة للأسباب الآتية:
  (أ) اذا قصد تقوية الحكم بتكرير الإسناد، نحو قول المتنبي:
  والله يسعد كل يوم جده ... ويزيد من أعدائه في آله
  (ب) اذا قصد قصر الحكم وتخصصه بالمسند، نحو: أنا سعيت في حاجتك، أي لا غيري.
  (ج) اذا كان سببيا أي جملة معلقة على مبتدأ بعائد لا يكون مسندا اليه في تلك الجملة، نحو: محمد أخوه نبيه - إبراهيم نجح ابنه.
(١) سورة ص الآية ١٨.
(٢) عكاظ أكبر الأسواق العربية التي كانت من أسباب تهذيب اللغة، وفيها كانوا يجتمعون للتفاخر والتنافر ليلا ولتصريف المتاجر نهارا.