علوم البلاغة (البيان المعاني البديع)،

أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371 هـ)

المبحث الخامس في الجملة الاسمية والفعلية

صفحة 57 - الجزء 1

  وقد تفيد الاستمرار التجددي شيئا فشيئا بمعونة القرائن اذا كان الفعل مضارعا، ومن البيّن في ذلك قوله تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ}⁣(⁣١)، فالقصد الدلالة على حدوث التسبيح من الجبال آنا إثر آن، وحالا بعد حال. ونحوه قول طريف بن تميم العنبري يتمدح بجرأته وشجاعته:

  أو كلما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا الى عريفهم يتوسم⁣(⁣٢)

  إذ يريد أن كل قبيلة ترد سوق عكاظ تبعث عريفها ليتفرس في وجوه القوم مرة بعد أخرى، ويتوسمها وقتا بعد وقت، لعله يهتدي الى معرفتي. وقول المتنبي:

  تدبر شرق الأرض والغرب كفه ... وليس لها يوما عن الجود شاغل

  فقرينة المدح تدل على أن تدبير الملك ديدنه وحاله المستمرة التي لا يحيد عنها.

تنبيهات

  ١ - الجملة الاسمية إنما تفيد الدوام والثبات بقرينة المقام اذا كان خبرها مفردا أو جملة اسمية، نحو: محمد كريم، على أبوه جواد. أما اذا كان خبرها جملة فعلية فإنها تفيد التجدد.

  ٢ - المسند تارة يكون مفردا فعلا كان أو اسما، وطورا يكون ظرفا للأختصار، نحو: البركة في البكور. وحينا يكون جملة للأسباب الآتية:

  (أ) اذا قصد تقوية الحكم بتكرير الإسناد، نحو قول المتنبي:

  والله يسعد كل يوم جده ... ويزيد من أعدائه في آله

  (ب) اذا قصد قصر الحكم وتخصصه بالمسند، نحو: أنا سعيت في حاجتك، أي لا غيري.

  (ج) اذا كان سببيا أي جملة معلقة على مبتدأ بعائد لا يكون مسندا اليه في تلك الجملة، نحو: محمد أخوه نبيه - إبراهيم نجح ابنه.


(١) سورة ص الآية ١٨.

(٢) عكاظ أكبر الأسواق العربية التي كانت من أسباب تهذيب اللغة، وفيها كانوا يجتمعون للتفاخر والتنافر ليلا ولتصريف المتاجر نهارا.