الإهليلجة،

جعفر بن محمد الصادق (المتوفى: 148 هـ)

[وصف لبعض عجائب الملكوت المدركة بالحواس وإثارتها لدفائن العقول]

صفحة 31 - الجزء 1

  تعاين، فلم تزد العين والأذن وسائر الحواس على أن دلت أن لها صانعاً، وذلك أن القلب يفكر بالعقل الذي فيه، فيعرف أن الرياح لم تتحرك من تلقائها، وأنها لو كانت هي المتحركة لم تكف عن التحرك ولم تهدم طائفة وتعفي أخرى، ولم تدفع شجرة وتدع أخرى إلى جنبها، ولم تصب أرضاً وتنصرف عن أخرى فلما تفكر القلب في أمر الرياح علم أن لها محركاً هو الذي يسوقها حيث يشاء، ويسكنها إذا شاء، ويصيب بها من يشاء، ويصرفها عن من يشاء، فلما نظر القلب إلى ذلك وجدها متصلة بالسماء، وما فيها من الآيات فعرف أن المدبر القادر على أن يمسك الأرض والسماء هو خالق الرياح ومحركها إذا شاء، وممسكها كيف شاء، ومسلطها على من يشاء، وكذلك دلت العين والأذن القلب على هذه الزلزلة، وعرف ذلك بغيرهما من حواسه حين حركته فلما دل الحواس على تحريك هذا الخلق العظيم من الأرض في غلظها وثقلها، وطولها وعرضها، وما عليها من ثقل الجبال والمياه والأنام وغير ذلك، وإنما تتحرك في ناحية ولم تتحرك في ناحية أخرى، وهي ملتحمة جسداً واحداً، وخلقاً متصلاً بلا فصل ولا وصل، تُهدم ناحية ويُخسف بها وتسلم أخرى، فعندها عرف القلب أن محرك ما حَرّك منها هو ممسك ما أمسك منها، وهو محرك الرياح وممسكها، وهو مدبر السماء والأرض وما بينهما، وأن الأرض لو كانت هي المزلزلة لنفسها لما تزلزلت ولما تحركت، ولكنه الذي دبرها وخلقها حرك منها ما شاء.