[النظر في الآيات]
  فإذا أفرغ الغمام ماءه أقلع وتفرق وذهب حيث لا يُعاين ولا يُدرى أين توارى، فأدت العين ذلك إلى القلب فعرف القلب أن ذلك السحاب لو كان بغير مدبر وكان ما وصفت من تلقاء نفسه ما حتمل نصف ذلك من الثقل من الماء، وإن كان هو الذي يرسل الماء لما احتمله ألفي فرسخ أو أكثر، ولأرسله فيما هو أقرب من ذلك، ولما أرسله قطرة بعد قطرة بل كان يرسله إرسالاً فكان يهدم البنيان ويفسد النبات، ولما جاز إلى بلد وترك آخر دونه، فعرف القلب بالأعلام المنيرة الواضحة أن مدبر الأمور واحد، وأنه لو كان اثنين أو ثلاثة لكان في طول هذه الأزمنة والأبد والدهر اختلاف في التدبير وتناقض في الأمور، ولتأخر بعض وتقدم بعض، ولكان تسفل بعض ما قد علا، ولعلا بعض ما قد سفل، ولطلع شيء وغاب فتأخر عن وقته أو تقدم ما قبله فعرف القلب بذلك أن مدبر الأشياء ما غاب منها وما ظهر هو الله الأول، خالق السماء وممسكها، وفارش الأرض وداحيها، وصانع ما بين ذلك مما عددنا وغير ذلك مما لم يحص، وكذلك عاينت العين اختلاف الليل والنهار دائبين جديدين لا يبليان في طول كرّهما، ولا يتغيران لكثرة اختلافهما، ولا ينقصان عن حالهما، النهار في نوره وضياءه، والليل في سواده وظلمته، يلج أحدهما في الآخر حتى ينتهي كل واحد منهما إلى غاية محدودة معروفة في الطول والقصر على مرتبة