[تأمل في بعض المذاهب للإيضاح]
  ومالك ¤، فإن هؤلاء الذين دونوا الدواوين، ونخلوا العلوم، واتسعوا في الفنون، حتى طبَّقت مذاهبهم الأرضَ، ذات الطول والعرض.
  فأما أبوحنيفة: فهو البارع المتقن، المحرز لعلوم الإجتهاد، والحائز لقصب السبق فيه، ولا يجحد فضله، وهو أول من سئل وأجاب في المسائل الأصولية، حكي أنه حكي عنه: إيجاب القدرة، وهو لعمري يوهي طريق الحكمة، ويهدم قواعدها، وقد أنكرها فريق من أصحابه لعظم موقعها، وشناعة القول بها، وحكي عنه أيضاً التعويل على القياس، واطراح الأخبار، وهذا نظر لا يليق أن يساوي منصب الشارع منصب القياس، وحكي عنه بطلان القصاص بالمثقّل وهذا نظر فيه ما ترى من إهدار الدماء وبطلان صيانتها، وهو معلوم من جهة الشرع تحريمها، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ}[البقرة: ١٧٨] والمثقّل يهدم هذه القاعدة.
  فهذه الأمور الثلاثة لا يخفى عليك انحرافها عن المنهج القوي، والصراط السوي، فهذا ما أردنا التنبيه عليه من طريقة أبي حنيفة النعمان ¥.
  وأما الشافعي ¥ فلا يشق غباره، ولا تخفى في العلم والفضل محامده وآثاره، استولى من العلوم على أسرارها، وأحاط بالمكنون من عيونها وأبكارها، خلا أن البويطي حكى عنه الرؤية، فإن كانت غير معقولة كما تزعمه الأشعرية، فحاشا فكْرَه الصافي عن المناقضة، وإن كانت رؤية معقولة، فحاشاه عن التشبيه، وأما الجبر فلم يُسْمع منه في مصنفاته، ولا بلغنا عن أصحابه أنه ذهب إليه.
  وأما مالك ¥: فلا يجحد فضله، وله اليد الطولى في ضبط الأحاديث وإحرازها، والتحرز في الرواية، خلا أنه ربما استرسل في المصالح استرسالاً كلياً، وعوّل عليها تعويلاً عظيماً، حتى أن نظره أداه إلى القول بقتل ثلث الأمة في إستصلاح ثُلثيْها،