وكون الموت خير من الحياة:
  الفاسق فيخفف عذابه لقلة ارتكابه القبيح وقطعه بالموت، ومن حيث أن الدنيا محل لاكتساب الخير المفضي إلى تفاضل الدرج وتفاوت النعيم - فالبقاء خير من تلك الحيثية، فإن عند أخذ أهل الجنَّة مواضع قرارهم فيها يأسف المقصر على تقصيره لما يراه صائر إليه السابقون، كما دل على ذلك حديث الأمالي، وهو ما رواه أبو هريرة مرفوعاً: «ما من أحد يموت إلا ندم»، قالوا: وما ندامته يا رسول الله؟ قال: «إن كان محسناً ندم على أن لا يكون زاد، وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون نزع»، فالخيرية حينئذ مختلفة.
  وأما الفاسق فإن البقاء خير له على الإطلاق بالنظر إلى السلامة العاجلة، وإن مرور اليوم له في الدنيا خير له من الوقوع في العذاب من عند خروج روحه وإن كان بقاه يستدعي تكاثف العذاب لكثرة ما يجتنيه من العصيان، وقد نبه على شيءٍ من الجمع في الجملة حديث جابر السابق: «لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد»، فلو لم يكن على المرء شدة إلا مقاساة الموت لكان كافياً، والله أعلم.
  وللأصبهاني في الترغيب من حديث أنس قال ÷: «إن حفظت وصيتي فلا يكون شيءٍ أحب إليك من الموت».
  وأخرج أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي الدرداء أنه قيل له: ما تحب لمن تحب؟ قال: الموت، وقال: ما أهدى إلي أخ هدية أحب من السلام ولا بلغني عنه خبر أعجب إليَّ من موته.