[لا معرفة للعلم وأبوابه إلا بالكشف عن حملته وأربابه]
  قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ٣٣}[لقمان: ٣٣]، ولولا ما أراد الله بها من إقامة حجّته، وإبانة حكمته، لقضائه العَدْل، وحُكْمِهِ الفَصْلِ، أن لا يُثِيْبَ ولا يعاقب على مجرّد العلم منه سبحانه، وإنما يجازي جلّ وعلا على الأعمال بعد التمكين والإختيار، والإعذار والإنذار، قال تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ٤٠}[فصلت: ٤٠].
  وقال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ٢ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ٣}[الإنسان: ٢]، {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ٧ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ٨}[الشمس: ٧ - ٨]، {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ١٠}[البلد: ١٠]، ولأجل هذا مثل لهم أمره تعالى بالابتلاء والاختبار، وهو العليم الخبير، قال: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ١ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ٢}[الملك: ١ - ٢]، لولا ما قَضَتْهُ الحكمة الربّانية لكان إيجادها وجميع ما فيها والحال هذه عَبَثاً ولَعِباً، وعناء على أهلها وتعباً، ولهذا قال جلّ سلطانه، وتعالى عن كلّ شأن شأنه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ١١٥}[المؤمنون]، {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ١١٦}[المؤمنون]، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ١٦ لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ١٧}[الأنبياء: ١٦ - ١٧]، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ٣٨ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ٣٩}[الدخان: ٣٨]، ولكنّه جلّ شأنه وعلا على كلّ سلطان سلطانه رتَّب عليها دارين دائمين، لا زوال لهما ولا انقطاع، ولا نفاد لما فيهما ولا ارتفاع، إما نعيماً وملكاً لا يبلى، وإما عذاباً وحميماً(١) لا يفنى، نعوذ
(١) بالنصب على البدل من دارين، وقد كان في الأصل بالرفع خبر مبتدأ محذوف. تمت من المؤلف (ع).