[لا معرفة للعلم وأبوابه إلا بالكشف عن حملته وأربابه]
  برحمته من عذابه، ونرجوه بمغفرته حسن ثوابه، فيحقّ والله المعبود بكل عاقل أن يرتاد لنفسه طريق النجاة، ويجتنب كل ما يقطعه عما أراده به مولاه.
  وإذا نظر علم أن الضلال لم يكن في هذه الأمة والأمم الخالية إلا من طريق اتباع الهوى، وهو الأصل في الإعراض عن الحق، والركون إلى الدنيا، ومجانبة الإنصاف، ومُطَاوَعَة الكُبَراء والأَسْلاف، قال الله تعالى لرسوله داود ~: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[ص: ٢٦]، وقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ٥٠}[القصص]، {فَأَمَّا مَنْ طَغَى ٣٧ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ٣٨ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ٣٩ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ٤٠ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ٤١}[النازعات].
  وقال جلَّ اسْمُه: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ٢٠ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ٢١ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ٢٢}[الزخرف: ٢٠ - ٢٢].
  واعلم أن الله ﷻ لم يَرْتَضِِ لعباده كما عَلِمْتَ إلا دِيْناً قويماً، وصراطاً مستقيماً، وسبيلاً واحداً وطريقاً قاسطاً، وكفى بقوله ø: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ١٥٣}[الأنعام]، ونهى أشدّ النهي عن التفرّق بهذه الآية، وأمثالها من الكتاب العزيز، وعن القول عليه سبحانه بغير علم، والجدال بالباطل، قال ذو الجلال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى: ١٣]، وقد تقدَّم الاستدلال علي هذا كلّه في شرح قولنا:
  وَيَعْلَمُ ما قَدْ كَانَ أَوْ هو كَائِنٌ ... مُصَوِّرُنا سبحانه جلَّ صَانِعُ