[آية التطهير]
  والروايات مفيدة لوقوع ذلك، وتكرّر نزول الآية في مقامات عديدة، ومدد مديدة، بل لم يزل ÷ يكرر تلاوتها عليهم ودعاءهم بها أشهراً كثيرة، في بعضها: ثمانية عشر شهراً، بياناً لكونهم أهل بيته، قائلاً ÷: الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد الله ... الآية.
  وقد أخبر الله ﷻ - مُؤَكِّداً بالحَصْرِ والقَصْرِ مبالغة بـ (إنما) حتى كأنه تعالى لا يريد شيئاً سواه - بإذهاب الرجس عنهم، وتطهيرهم تطهيراً تاماً، فأفاد العصمة في الاعتقاد والأقوال والأفعال؛ لأنّ ما يُتَنَزَّهُ منه غير ذلك ليس بمراد قطعاً. فإن قيل: لا يلزم من وقوع الإرادة وقوع المراد.
  قلنا: إرادته تعالى لا تخلو إما أن تتعَلَّق بأفعال عباده أو بأفعاله، إن كان الأول فمُسَلَّم عدم الملازمة؛ لأنه لم يردها منهم إلا على سبيل الإختيار، وقد بنى أمره تعالى على الابتلاء، فهي واقفة على وجود دواعيهم وانتفاء صوارفهم ضرورة، وإن كان الثاني وهو تعلّقها بأفعاله تعالى فلا محالة من وقوع المراد إذ لا صارف حينئذ إلا ما الله منزه عنه من العجز والبداء، تعالى الله سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٨٢}[يس: ٨٢]، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[هود: ١٠٧] [البروج: ١٦]، وقد أسند الفعلين ø إليه في قوله ليذهب ويطهر صريحاً حقيقة، كما في قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[النساء: ٢٦]، {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}[النساء: ٢٨]، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ}[البقرة: ١٨٥]، فكل هذه قد أرادها تعالى وهي واقعة بخلاف ما أراد وهو موقوف على الاختيار، كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}[النساء: ٢٧]، فقد أراد التوبة عليهم - وهي واقفة على اختيارهم - بفعل التوبة قطعاً، عقلاً وسمعاً: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}[النساء: ١٧]، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ}[طه: ٨٢] ... الآية.