المبحث الرابع في الاطناب
  وقول أبي عدي:
  نحن الرؤوس وما الرؤوس اذا ... سمت في المجد للأقوام كالأذناب
  فإن قوله: للأقوام، حشو لا فائدة فيه، مع أنه غير مفسد.
  (تنبيه) قال بدر الدين بن مالك في «المصباح»: يكثر الحشو بلفظ: أصبح وأمسى وعدا وإلا وقد واليوم ولعمري ويا صاحبي.
  كما قال أبو تمام:
  أقروا (لعمري) بحكم السيوف ... وكانت أحق بفصل القضا
  وكما قال البحتري:
  ما أحسن الأيام إلا أنها ... (يا صاحبي) إذا مضت لم ترجع
  والداعي إليه إما إصلاح وزن الشعر، أو تناسب للقوافي وحروف الروي، أو قصد السجع في النثر.
  ويكون الاطناب بأمور شتى، منها:
  ١ - الايضاح بعد الابهام، ليرى المعنى في صورتين مختلفتين، وليتمكن في النفس فضل تمكن، فإن الكلام اذا قرع السمع على جهة الابهام ذهب السامع فيه كل مذهب، فإذا وضح تمكن في النفس فضل تمكن، وكان شعورها به أتم، ومنه قوله تعالى: {وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ}(١).
  فقوله تعالى: أن دابر هؤلاء، تفسير لذلك الأمر، تفخيما لشأنه، ولو قيل: وقضينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع، لم يكن له من الروعة مثل ما كان له حين الابهام - يرشد الى ذلك أنك لو قلت: هل أدلكم على أكرم الناس أبا وأفضلهم حسبا وأمضاهم عزيمة وأنفذهم رأيا، ثم قلت: فلان، كان أدخل في مدحه وأنبل وأفخم مما لو قلت: فلان الأكرم الأفضل.
  ومن ضروبه باب: نعم وبئس، على قول: من يجعل المخصوص خبر مبتدإ محذوف، إذ لو أريد الاختصار لقيل: نعم وبئس أبو لهب، عوضا من قولك: نعم الرجل محمد، وبئس الرجل أبو لهب.
(١) سورة الحجر الآية ٦٦.