مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[حجة العقل والكتاب والرسول]

صفحة 102 - الجزء 1

  {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}⁣[البقرة: ٢٨٩]، و {إِلَّا مَا آتَاهَا}⁣[الطلاق: ٧] {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ٩}⁣[آل عمران: ٩، الرعد: ٣١].

  فإن قال قائل: فقد رأينا العقول يزيد بعضها على بعض؟

  قلنا له: إن تلك الزيادة التي سميتَ إنما هي اكتساب اكتسبها المكتسب بأصل العقل المركب فيه، وذلك لَمِا هذّب من رأيه واكتسب من الآداب، واستعمل من النظر والعلم والحكمة، وأما الآخر فضيّع عقله وشَغَله بكل فساد يُصدئُ العقلَ، ويذهل عن الصلاح، وليس يجوز في عدل الله تبارك وتعالى أن يفاوت بينهم في العقول، ثم يحمّلهم من الفرض شيئاً واحداً لا تفاوُت فيه، فلا يجوز في العدل غير هذا، لقوله سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}⁣[الطلاق: ٧]، وقوله: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ٨ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ٩ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ١٠}⁣[البلد]. فهذا جواب ما سألت عنه.

  وأما قولك: إنك تسألنا زعمتَ أنه بالعقل وبغير العقل، وتقول لصاحبك: فسلهم ما ذلك الشيء الذي هو غير العقل، ونحن لم نقل: إن الله ø زاد العباد شيئاً يأخذون به دينه إلا الجوارح السالمة، والعقول الكاملة، وأما غير ذلك فلا نقول به، وكفى بما ذكرنا من الجوارح والعقول السليمة، منّةً من الله جل ثناؤه عظيمة لا أعظم منها من المتن، والتعريفُ من الله ø فهو إرسال الرسل، وإنزال الكتب. وأما تكريرك الكلامَ المعاد الذي لا وجه له، فلا معنى لتكرير الكلام لا يعرف من نفس المسألة، والتطويل فيها عيٌّ، وقله معرفة بفصل الخطاب.

  وأما قولك: إنّ ثَمَّ شيئاً سوى العقل، فلا شيء مع العقل يُعطاه العبادُ إلا سلامة الجوارح، ولا سبيل لهم إلى وجود معنىً غير الجوارح والعقول، والهداية من الله ø بدُعاء الرسل والكتب. فأما جبرٌ يجبرهم على الدخول في الإيمان والخروج من المعاصي بغير ما ذكرنا، فذلك دعوي باطل، وإن ادعيتَ امراً فاصِحّ