مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[هل القدرة قبل الفعل أو معه]

صفحة 130 - الجزء 1

  قلنا لك: فهل تجدون في عقولكم أنه امركم ونهاكم، ولم يجعل لكم السبيل إلى ما أمركم به، ولا غناء عما نهاكم عنه؟!

  فحجته عنكم ساقطة لعذركم القائم الواضح، فلا يوجد ما سألنا عنه في عقل أحد من الناس، فكفى بهذا جهلاً! وإن كان الله ø قد أمر ونهي، ولم يقوّ الخلق على ما أمر به، ولم يُغْنِهم عما نهاهم عنه، فما حجة الله على عباده إذا ساهم يوم القيامة فقال لهم: لِمَ لَم تفعلوا ما أمرتكم به؟

  فقالوا: لم تجعل لنا السبيل إلى الطاعة، وحُلْت بيننا وبين طلب النجاة، لأنك - على قول عبد الله بن يزيد البغدادي - لم تُرِدْ أن نؤمن، فيبطل علمك، وقد قلت في كتابك: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}⁣[النساء: ٣٩]، و {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٢٠ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ ٢١}⁣[الانشقاق].

  فيما ظنك بقوم هذا الجهلُ اعتقادهم في صفة الله ø، وقلةُ المعرفة بعدله، وترك التدبّر لكتابه؟! وقد قال: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}⁣[النساء: ١٦٥]، لما أعذر وأنذر، وحذّر ورغّب، وأبلغ في المواعظ وضرب الأمثال، فلم يلتفتوا إلى ذلك، وألزموه ذنوبهم، ونسبوا إليه فواحشهم، بعدما قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ٢٨}⁣[الأعراف].

[هل القدرة قبل الفعل أو معه]

  وزعموا أنه لا يجوز لقائل أن يقول: إنه يستطيع شيئاً من جميع الأشياء قبل أن يفعله، ولا يستطيع أن يفعل ما علم الله منه أنه لا يفعله، وزعموا أن الذي دعاهم إلى ذلك انهم [إن] قالوا: إن العباد يستطيعون الأفاعيل كلها قبل أن يفعلوها،