فصل
  بالاتي لان من علم أن ما عنده مفقود لا محالة لم يتفاقم(١) جزعه عند فقده لأنه وطن نفسه على ذلك وكذلك من علم أن بعض الخير واصل اليه فان وصوله لا يفوته بحال لم يعظم فرحه عند نيله.
  قال في الثمرات: وثمرة هذه الآية لزوم الصبر على المصايب فلا تحزن على فائت ولا تفرح بحاصل وقبح الاختيال والافتخار والبخل بالواجب والامر بالبخل بذلك.
  وفي عين المعاني ليس أحد الا وهو يفرح ويحزن ولكن ينبغي أن يكون الفرح شكراً باعطائه لا بطراً والحزن صبراً على قضائه لا ضجراً إنما يدم من الحزن الضجر والجزع ومن الفرح الاشر والبطر وأيضا فان الفائت لا يتلافى بالعبرة والآتي يستدام بالجرة(٢) وعن قتيبة بن سعيد دخلت على بعض أحياء العرب فاذا أنا بفضاء مملوء من الابل الميتة بحيث لا تحصى ورأيت شخصاً على تل بالقرب وهو الكثيب من الرمل يغزل صوفا فسألته فقال كانت باسمي فارتجعها من أعطاها وأنشأ يقول:
  والذي أنا عبد من خلايقه ... والمرء في الدهر نصب الرزء والمحن
  ما سرني أن أبلي في مباركها ... وما جرى من قضاء الله لم يكن
(١) وتفاقم الأمر عظم انتهى. مختار.
(٢) وجرت الشيء جرأ من باب قتل زينته وفرحته انتهى. مصباح.