رضاء رب العباد الفاتح لباب كنز الرشاد،

محمد بن مطهر الغشم (المتوفى: 1355 هـ)

فصل

صفحة 389 - الجزء 1

  فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله له» رواه البخاري ومسلم⁣(⁣١) قلت وإنما حسن هذا الخوف الشديد لخلو صاحبه عن فعل الحسنات والقربات كما ورد في سياق الحديث، ولا شك فيمن كانت هذه حاله فالخوف أولى به لكن مع عدم القنوط ولا يعتبر خوفه إلا بعد بلوغ الجهد في التوبة وأما من كان من أهل الطاعات فحسن الظن أولى به كما تقدم) وعن مجاهد بكي داود أربعين يوماً ساجداً حتى نبت المرعى من دموعه حتى غطى رأسه فنودي يا داود أجائع أنت فتطعم أم ظمان فتسقى أم عار فتكسى فنحب⁣(⁣٢) نحبة هاج العود فأحترق من حر جوفه فأنزل الله التوبة والمغفرة فطلب أن تكتب خطيئته في كفه فما يراه إلا أبكته فكان يتناول القدح ثلثاه ماء فما يضعه على شفتيه حتى يفيض من دموعه وكل نبي يروي له من خوف الله تعالى ما يهيل العقول هذا لأن كلا يخاف الله تعالى على قدر معرفته به (وعلى كل حال فلا ينبغي أن يخلو العبد عن الأمرين) يعني الخوف من الله تعالى والرجاء له مع سبب الرجاء.

  وجملة ما يخاف العبد منه أمور عشرة ذكرها الامام في التصفية ونقلت معناها وكل واحد منها ما سببه غير المعصية الموجبة لغضب الله تعالى: الأول وهو أعظمها عذاب النار فإنه من فكر فيه لم يصف له عيش وثانيها خوف ملابسة المعاصي الموبقة وثالثها خوف الموت وسكراته


(١) وهذا لفظ مسلم في صحيحه عن ابي هريرة.

(٢) والنحيب رفع الصوت بالبكاء وقد نحب ينحب بالكسر نحيباً والانتحاب مثله انتهى. مختار.