فصل
  امتنع من العقول بالعقول والى العقول يحاكمها فهذا هو التوحيد الموافق لقوله تعالى {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ١١٠}[طه] وقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١] وقوله {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}[الأنعام: ١٠٣] الآية وهذه آيات محكمات هن أم الكتاب فيرد المتشابه اليها ولذا ورد النهي عن التفكر في ذات الله والأمر بالتفكر في آلاء الله الدالة على حكمته الباهرة فيها وعلى صفاته الحميدة التي توجب على عبيده توحيده وتمجيده (وتحميده واعتقاد اختصاصه بصفات الكمال وتجرده عن النقائص كلها وتنزيهه عن مشابهة المحدثات وفعل المقبحات والكذب فيما قاله والخلف فيها وعد به أو توعد).
  والدلالات عليه تعالى ثلاث: وهي التي ورد بها كتابه واستدلت بها أنبياؤه وأصفياؤه أولها دلالة الآفاق وهي الأرض والسماء وما فيها من بدائع مخلوقاته.
  والثانية دلالة الأنفس كما قيل: تفكرك فيك يكفيك ويدل عليها قوله تعالى {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[فصلت: ٥٣] وقوله تعالى {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ٢١}[الذاريات] وقوله تعالى {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ٢٠}[الذاريات] قال في الكشاف تفسير هذه الآية: انها تدل على الصانع وقدرته وحكمته وتدبيره حيث هي مدحوه كالبساط لما فوقها كما قال {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا}[الزخرف: ١٠] وفيها المسالك والفجاج للمتقلبين فيها والماشين في مناكبها وهي مجزأة فمن سهل وجبل وبر وبحر وقطع متجاورات من صلبة ورخوة وعذاة(١) وسبخة
(١) قوله وعذاه في الصحاح العذاه الأرض الطيبة التربة انتهى. من حاشية الكشاف.