فصل
  ان لم يكن لها سائق حثيث يسوقها بجد صادق لا يقهقر لخيالاتها وتسويفها، ولا ينهزم لصولاتها(١) وتهويلها هذا مع أن لها أعواناً كالشيطان والدنيا والهوى، وان كان منها فليس إلا الجد والنظر فيما ورد في الشريعة من ترغيب وترهيب بأذن واعية وقلب حاضر (عن عبد الله بن عمر قال أخذ رسول الله ÷ بمنكبي وقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل») يعني لا يأخذ منها إلا ما يحتاجه في تلك الحال ولا يغتر بها فيستكثر منها فتثقله وتهلكه (وكان ابن عمر يقول اذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وأذا أصبحت فلا تنتظر المساء) يعني أن انتظار الصباح والمساء من طول الأمل.
  والمرء مأمور بتقصيره حتى يظن أنه لا يصبح ولا يمسي إلا من أهل الآخرة لأنه لا يدري متى يفاجأه الموت (وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك رواه البخاري ورواه الترمذي بلفظه) يعني أن كل حالة معقوبة بضدها فاذا كان في حال الصحة فليغتنم الأعمال الصالحة وليجهد نفسه فيها بجد وعزيمة، لأنه اذا مال الى ما تهواه نفسه من الانهماك في اللذات والميل الى الراحات فاتته أوقات صحته فلا يستطيع العمل في حال مرضه.
  وكذلك قوله من حياتك لموتك (وقال لي يا بن عمر اذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من صحتك قبل سقمك ومن حياتك قبل موتك فإنك لا تدري يا عبد الله ما
(١) اي استطالتها انتهى مختار.