فصل
  ولذا قال ÷ «أكثروا من ذكر هادم اللذات» وكذلك تكرر تذكير القلب بالمواعظ كثيراً لا سيما في هذا الزمن فإنها قد عظمت الغفلة وعدم تأثير الموعظة كما سمعت من شيخي أبقاه الله ان الواعظ في هذا الوقت كالراجم في الماء بالنسبة الى القلوب يؤثر الرجم في الماء فما أسرع ما يعود كما كان فليس إلا التكرير لذكر الموت ومطالعة المواعظ وسماعها وكذا ما بعد الموت (من البلاء في القبر وأحوال النشور والبعث وأحوال أهل الجنة والنار) فيتصور كيف بقاءه في القبر الذي لا محيص له عنه وإن كان الآن مغروراً من عند أن يوضع فيه وتتغير فيه محاسنه وأعضاؤه كلها وتأكله هوام الأرض ولا يستطيع دفع صغير ولا كبير ثم تنتثر عظامه وتفرق أوصاله(١) فضلا عما يلاقيه من سؤال منكر ونكير وعذاب القبر ونحو ذلك فكيف الغفلة عن هذا مع أنه لا شك في وقوعه مع كل فرد لا ينجو منه أحد الى أن يكون النشور والبعث من القبور الى ظلمات القيامة وسوقه الى المحشر فإن كان له عمل صالح فكما قال الله تعالى {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}[الحديد: ١٢] حتى قيل أن بعضهم يكون له نور يسير على أبهام قدمه فيضيء تارة ويطفئ تارة كل على قدر عمله ومن وراء ذلك كل ما يبهر العقول من الخلود في نار تلظى(٢) أو جنات تتلألأ وفكر أيها المطلع ان كنت ذا عقل راجح ما معنى الخلود إذ كل ما كان بالنسبة اليه لا شيء لانقضائه فنسأل الله تعالى بحقه
(١) والأوصال المفاصل انتهى مختار.
(٢) اي تلهب انتهى مختار.