[لا معرفة للعلم وأبوابه إلا بالكشف عن حملته وأربابه]
  [المائدة: ٥١]، {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[المجادلة: ٢٢]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}[الممتحنة: ١]، في آيات تتلى، وأخبار تُمْلَى، ولن تتمكن من معرفة الحق وأهله إلا بالإعتماد على حجج الله الواضحة، وبراهينه البينة اللائحة، التي هدى الخلق بها إلى الحق، غير معرِّج على هوى ولا مُلْتَفِتٍ إلى جِدَالٍ ولا مِرَاء، ولا مُبَالٍ بمذهب، ولا محامٍ عن منصب، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}[النساء: ١٣٥].
  وقد سَمِعْتَ الله ينعى على المتخذين أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، وما حكى من تبري بعضهم من بعض، ولعن بعضهم بعضاً، وتقطّع الأسباب عند رؤية العذاب، ولا يروعنّك احتدام الباطل وكثرة أهله، ولا يوحشنّك اهتضام الحق وقلة حزبه، فإن ربك جل شأنه يقول: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ١٠٣}[يوسف: ١٠٣]، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ١٣}[سبأ: ١٣]، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ١١٦}[الأنعام: ١١٦].
  واعلم - كما أَسْلَفْتُ لك - أن الدَّعَاوى مشتركة بين جميع الفرق، وكلّهم يدّعي أنه أولى بالحق، وأن ساداته وكبراءه أولوا الطاعة، وأهل السنة والجماعة، ومن المعلوم أنه لا يُقْبَلُ قول إلا ببرهان، كما وضح به البيان من أدلة الألباب، ومحكم السنة والكتاب، وقد علم الله تعالى وهو بكل شيء عليهم أنّا لم نَبْنِ أمرنا كله إلا على الإنصاف والتسليم لحكم الرب الجليل، بمقتضى الدليل: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}[الروم: ٣٠].