[كتابه إلى الجنود والرعايا الذي تخلفوا عن السفر]
  ذرعه، فاستعن بالصبر فإنه من أحمل أعوانك لما حملته، وأدفعهم عنك لما كرهته، ولا تزهدنّ فيه، واستعن باللّه عليه، ومن وثقت بعونه من المسلمين فاستعن به ما وجدت إلى معين سبيلا، فإنك لا تحمل من الأمور إلا أقلها، ومن كابد الاشتغال جميعا بنفسه ملّها، وقد نصّبتك لمقام قلّ من انتصب لمثله إلا فتن، فصن نفسك من الفتنة ما استطعت حتى تخشى المضرة في طول الأناة، فإذا دفعت إلى ذلك وعزمت على حرب قوم بعد الإعذار والإنذار، فلا تعلنن بحربهم، ولا تذكرن لأحد أنك تهمّ بهم، حتى يقول قائلهم: إنك قد أعرضت عنهم، ثم ادع من تريد قتالهم به لبعض الوجوه الفاسدة، أو السبل المقصودة، فإن أتاك من يقهر به أولئك قصدتهم به مسرعا، فإن المفاجأة تنقص آراء الرجال، وتبهت أولي الرأي والاحتيال، وإذا أعطاك قوم الذلة فإياك وقتلهم، واستعن بالحبس عن ذلك منهم، وبالأدب الكافي عن المثل بهم، فإن ذلك أقرب لنصرك، وأبقى لعزك، وإن قلت جماعتك عمن تنوي فاصرفها على من يكون لها فيه أثر بصلاح فساد من تقصده.
  وإياك أن تغتر بكثرة الناس إن أقبلوا عليك، فإن كثرة الجيش أخطر من ركوب السفر، وإذا تثاقلت السفينة في البحر لم تخرج حتى تهلك من فيها، كذلك الجيش الكثير إذا ولى بعد لقيته لم يثن عطفا، ولم يسمع لأمرك قولا، ولم يرعو أصلا، فإذا جمعت قوما فثبّتهم، ثم ولّ على كل قوم مقدمهم، وأمره أن يأمرهم أن يراعوا رايته، ولا يتقدموه ولا يتأخروه، ولتكن تراعي رأيتك ولا تتقدم ولا تتأخر عنها، وتأمر بذلك أمرا، وبذلك تأمر كافة الناس أن ينصحوك ويراعي بعضهم بعضا، وإياك إذا لقيت قوما وكنت في قوم أنت