[عهد القاسم لأهل ولايته]
  فكن حكيما يا بني يراك بتلك العين الرفيع والدنيء، وإياك ثم إياك الميل إلى عرض الدنيا، واطلب حاجتك بددا، ولا تطلبها معا فيثقل عليك حملها، ولا يتهيأ لك نيلها، واجعل طلبك من خالقك، ونيل يدك، وتعفّف عن الناس وسؤالهم، فإن ذلك أقضى لحاجتك عند خالقك، وأعظم لقدرك عند من يعرفك بذلك، ولربما طلب المرء مطلبا يدني به، ولم يتصل منه بمحبوبه، فيبقى ملوما محسودا، وذما باقيا مذكورا، فتوقّ هذا الفعل(١) ثم توقّه، فإن به رفعة الرفيع، وضعة الوضيع، فاغتنم كسب الرفعة، وتجنّب أسباب الضعة، وليس من شيء يوجب الحمد والثواب إلا والنفس له كارهة، ولا من يوجب الذم والمأثم إلا وهي إليه مسارعة، فاستغن على نهيها عما تهواه بالصبر واجعله لك شعارا، فوشيكا ما تحمد عنه ويسهل عليك مطلبه.
  ودع العجلة واحذرها واحترس منها، فإن الإنسان خلق عجولا، وعلى العجلة فطر الإنسان، وهي مقودة إلى المضار والعصيان، هي فطرة ملك البشر تصريفها، ولذلك نهوا عنها.
  وعليك يا بني بالأناة ثم عليك بالأناة ثم عليك بالأناة، فإن المتأني لا يذم عاقبة الأناة، ولا يقدر عليها إلا من يصبر نفسه عنها، وما يذم ذو أناة قط، ولا أناة عن بر ولا عمل صالح، وإنما الأناة عما تدعو إليه النفس من المضار، فادرأ بالأناة العجلة، وبالصبر الجزع، وبالحلم الجهل، وبالديانة المعصية،
(١) في السيرة: الفضل. ولعل الصواب ما أثبت.