كتاب التنبيه والدلائل
  ينقل من أيدي ورثته، بما تنتقل به الأموال من البيوع والهبات، فأوقفه لما خاف ذلك وجعل سبيله سبيل الميراث، ولم يحف على أحد من تركته، فهذا أيضا لا يباع وقفه ولا يوهب، لا يزال يجري فيه سهام المواريث ما بقي من ورثته أحد، فإذا انقرضوا رجع إلى ما شرط، فإن لم يكن شرط إلى ما يرجع، رد إلى ذوي أرحام الورثة، فإن لم يكن بقي لأحد منهم ذو رحم رد إلى بيت مال المسلمين، ولم يصرف عما جعل عليه من الوقف، فإن كان هذا الرجل جعل ثلث ما أوقف في وجوه البر، ثبت ذلك ولم يلحقه تبعة من وارث ولا غيره، ولو أنه خص بذلك بعضهم دون بعض لم يضق ذلك عليه، لأن له الثلث مباح فيه أمره، فلهذه العلة هو ناج، ولا يجوز بيع وقفه ولا هبته أبدا.
  وأما الموقف الخائن، فذلك: مثل رجل كان له أيضا مال حلال، فلما نظر في كتاب له أو أخبر عنه وجد المواريث تنقل الأموال إلى من بعد نسبه من النساء والرجال، فلما أيقن ذلك اختار أن يعدل عن حكم اللّه، ويحكم بهوى نفسه، فعمد عند ذلك إلى المنتسبين إليه من ولده الذكور، وولد ولده أبدا ما تناسلوا، فجعل المال لهم وأوقفه عليهم، وأعطى من كان من البنات سهمهن أو زاد عليه حياتهن، ومنع منه ورثهن بعد موتهن، وعمد إلى زوجاته فصرفهن وولج عنهن ما جعل اللّه لهن من ماله، ثم قال في كتاب وقفه: وإنما أردت بذلك رضى رب العالمين، والدار الآخرة التي جعل اللّه للمتقين، ثم قال في كتابه: «ملعون من باع أو اشترى أو وهب أو حكم أو فعل أو صنع»، ثم قال محتجا من كتاب اللّه: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ