مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم العيانى،

القاسم بن علي العياني (المتوفى: 393 هـ)

كتاب التنبيه والدلائل

صفحة 120 - الجزء 1

  فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}⁣[البقرة: ١٨١]، ولم يعلم ما أريد بذلك، وهو قد عدل وغيّر، وأساء وقصر، ثم أنفذ جهلة الحكام العمون أمره، لعظيم التأكيد في كتاب الوقف، ولم يعظم عليهم ظلمه من ظلم، ومن سير فيه بغير الحق، فحرم، وتقدم العدول الضلال، فأثبتوا شهادة الجور بجهلهم، فملكوا غير المستحق بشهادتهم، وغدا تجزى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون، ولا بد أن أعرفك أيها الأخ - أكرمك اللّه - بوجوه الحق التي يحكم بها بينهم، والسيرة التي يسار بها فيهم.

  فأول ذلك أن يحمل أمور الورثة على وجهين، فمن ذلك أن يجيزوا للميت فعله كلهم، أو يجيزه بعضهم وينكره بعض، فإن أجازوا فعل الميت كلهم، وقد علموا جوره عليهم لزمهم فعلهم، وإن أنكر المظلومون منهم ولم يجيزوا فعل الميت حكم لمن خصهم بثلث غلة هذا الوقف، وقسم الثلثان الباقيان بين المخصوص والمحروم قسمة الميراث، ولم يحل الوقف، لأن الوقف جائر في أصله، والجور فلا أصل له يرد إليه، فلذلك أثبتنا الوقف وأبطلنا الجور، فإن كان جعل للبنات سهم رجل ذكر رددن إلى سهامهن، وكان الثلث للبنتين دونهن، فإنهن لم يزدن على سهامهن إلا لجريمة وارثيهن، ولم ينقص الذكور إلا لحب التوفير عليهم والأثرة لهم، فلما علمنا ذلك جعلنا الثلث لهم على الجواز، ولم نعط النساء منه شيئا، فإن قلن البنات: قد رضينا بحق الذكر ولا نبالي بورثتنا من بعدنا، فذلك إلى شركائهن لا إليهن، لأنهن لا يطلبن بحق، ومن كان كذلك لم يجز له أمر، فإن اختلفوا بعد مدة من الزمان حمل أمرهم على وجهين، فمن ذلك: أن يكونوا أحياء لم يمت منهم