مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم العيانى،

القاسم بن علي العياني (المتوفى: 393 هـ)

كتاب التنبيه والدلائل

صفحة 126 - الجزء 1

  واعلم أنه لا يجتنب البيع في زماننا هذا إلا من لا يرى تحليل ما أباحه اللّه من المحرمات عند الحاجة والضرورات، فإن علمت أيها الأخ - أرشدك اللّه - مطلبا غير المباح ضرورة فاطلبه، فإنه لا يسعك أن تطلب اضطرارا، وأنت تجد اختيارا، مع أني أعلم أنك لا تجد إلا المباح ضرورة، وإنما يحل لك ذلك إلى أن تسمع دعوة إمام حق من آل النبي #، فإذا سمعت دعوته ولم تجبه حرم عليك ما كان مباحا قبل الدعوة.

  والدليل على ذلك أن رجلا لو دعته الحاجة إلى أكل الميتة، فأخذ منها ما يأكل، ثم عرض له رجل قبل أكلها فقال له: عندي ما يغنيك عنها فدعها، لحرمت عليه الميتة في ذلك، ووجب عليه أن يمر إلى الذي دعاه إلى الحلال، وأغناه ببذله عن الحرام، وأنه في زمان الفترة ليس كهو في زمان الإمام، فما أفسره لك حتى تيقنه إن شاء اللّه، أرأيت - وفقك اللّه - لما يرضيه لو أن رجلا خرج من منزله لطلب الرزق، وتذكر أحل الأشياء، فلم يذكر إلا المباح من الرزق الذي في أرض اللّه، فعمد إلى أيسر ذلك وهو الحطب، فأخذ منه أعوادا فدخل بها سوقا من أسواق المسلمين ليبتاعها، فلما دخل ذلك السوق وجد فيه سلطانا ظالما، أو معينا غاشما، أو تاجرا علولا مربيا، أو زراعا مقويا، أو صانعا مرفقا، أو مجاورا مكثرا، أليس بأيقن اليقين لا بد له من البيع من أحد هؤلاء أو لا يبيع منهم؟ فإن لم يبع منهم هلك، وإن بايعهم بايع قوما مخلطين، قد ملكوا بالباطل ما لم يعطوا، فحينئذ لا بد له من مبايعتهم ضرورة، فاعلم ذلك.