[حبس يحيى # ومحاولة الإخبار عن اصحابه، وموته]
  أكثر القدر وبعث به إليه، فلما جاءه به أمر أن يُؤْتى بخبز فأكل به حتى بقيت قطعة بصل في جنب القصعة فأتبعها بلقمة حتى أخذها، ثم دعا مسروراً الكبير، فقال: احمل إلى يحيى ألف خلعة من كلّ فنّ سري من الثياب الفاخرة مع ألف خادم؛ فأره كل خلعة ثلاثة أثواب، وانشرها كلّها عليه وعرّفه أثمانها ومن أهداها لنا، وقلْ: يقول لك أمير المؤمنين: جعلناها لك مكافئة على ما أَطْعَمْتنا، حتى تأتي على آخرها.
  قال: فأتاه مسرور بالخلع والخدم، وأبلغه الرسالة؛ وهو مُطْرق ما ينطق ولا ينظر.
  قال: وأحسّ يحيى صلي الله عليه بالشرّ منه لما أتاه بذلك، وأيقنَ أنه معذبٌ مقتول.
  قال: فرفع رأسه فقال: قلْ لأميرالمؤمنين إنما ينتفع بهذا من له في الحياة طمع ونصيب ومن كان آمناً على نفسه راجياُ لبقائه، فأما المحبوس المقهورالخائف المأسور المرتهن بسعايا البغاة بغير ما جنت يداه، فاتق الله يا هارون ولا تسفك دمي؛ واحفظ رحمي وقرابتي؛ فإني في شغل عمّا وجهت به إليَّ.
  قال مسرور: فرقَقْتُ له، ثم رجعت إلى نفسي وقلتُ: لا ولا كرامة، لا أقول لأمير المؤمنين من هذا شيئاً.
  فقال يحيى ~: هذا من ذاك الذي أتخوّفه وأشفق منه.
  وعاد مسرور إلى الرشيد فأخبره بكل ما قال.
  قال: فقال له: فما قلت له؟ فأخبره بما قال، قال: أصبت، وأمره أن يرجع إليه، ويقول له: يقول لك أمير المؤمنين إن أحببت أن أطلق عنك؛ فأخبرني بأسماء السبعين الذين أخذتَ لهم الأمان لِيَعْلَمَ أنك بريءٌ مما سُعيَ إليَّ فيك؛ فإنك إن فعلت أخرجتك من حبسي وأجزأتك بألف ألف دينار، وأقطعتُك من القطائع، وأعطيتُ أصحابك من الأموال كذا وكذا، وأنزلتهم من البلاد حيث شاءوا.