[إيقاع الرشيد بالبرامكة، وموت يحيى]
[إيقاع الرشيد بالبرامكة، وموت يحيى]
  قال المكي: فأخبرني الثقة أن جعفر بن يحيى حبس يحيى بن عبد الله عنده مدة حتي سأله هارون عنه فأخبره بسلامته، فقال هارون: ما أطولَ حياته!، فعلم جعفر أنه يريد منه أن يقتله، فأخرجه ليقتله؛ فجعل جعفر يقول: واشقا آه فكيف ابتليتُ بقتل يحيى من بين هذا الخلق؟.
  فقال له يحيى بن عبدالله: اسمعْ مني - أصلحك الله - شيئاً تكون لك السلامة في الدنيا والأخرة؛ أعطيكَ من العهود والمواثيق ما تسكن إليه نفسك إنك إنْ تركتني خرجتُ حتى أدخل بلاد العجم - أو قال: الروم - ولا أخبر أحداً باسمي ولا نسبي، إلا أني أَذْكر لهم أني رجل من المسلمين جنيتُ جنايةً فخفت على نفسي فلحقتُ ببلادك، فإن أبي أنْ يقبلني وقتلني يكون قتلي على يدي مشرك، وإن أمّنني ولم يقتلني لم أخرج من بلادهم أبداً ما دام صاحبك في الحياة؛ وإن أَمُت قبله رجوت أن يقبل عذري، وأني لم أختر دار الشرك على دار الإسلام إلاّ أنه حيل بيني وبين ذلك، وأنِّي فَرَرْت من العذاب والقتل، فإن رأيتَ وفّقك الله أن لا تعجل وتنظر فيما سألتك وتعرضه على قلبك، فإنَّك إن كنتَ محتاجاً إلى رضى هارون فإنَّك محتاج إلى رضى الرحمن، فانظرْ لنفسك قبل يوم الحسرة والندامة، فإنَّ نعيم الدنيا وشيكاً سيزول عنك وعن صاحبك، فاشتر من الله نفسك بإحياء نفس من ذرية رسول الله؛ تستوجب بذلك عند الله الزلفى وحسن المآب، واحذر أنْ تلقى الله بدمي، مع معرفتك بأني محرج مظلوم لا ناصر لي إلا الله، وكفى بالله من الظالمين منتقماً.
  قال: فأمر جعفر بردّ يحيى إلى الحبس ووقع كلامه في قلبه، فلمَّا كان بالليل أرسل إلى يحيى فقال [له]: إنَّ كلامك قد وقع في قلبي، وإنَّ للناس قبلي مظالم كثيرة، وإنَّ لي من