[رسالة أبي يحيى الفقيه]
  فتوجه إدريس إلى المغرب مع أصحابه، فصار إلى القيروان؛ ثم إلى الزاب(١) ثم إلى مليانة؛ ثم صار إلى طنجة؛ فأعْظَمه أهلُها وأكرموه، وقاتل عبد الوهاب بن رستم(٢) فأزاله عن بعض تلك المخاليف؛ واتسع سلطانه وتزايد أمره؛ وأقام زماناً، حتى دسَّ إليه هارون الرشيد من قتله بالسُّم، وله قصة ولمن وجِّه إليه سأذكرها في موضعها، إن شاء الله.
[رسالة أبي يحيى الفقيه]
  قال: ووجَّه إلى مصر وما يليها ثلاثة، وكتب معهم إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الفقيه، الذي يقال له: أستاذ محمد بن إدريس الشافعي، وكان من دعاة يحيى، ومن أجلّة أهل زمانه، إلى أبي محمد الحضرمي: «﷽؛ سلام عليك فإنِّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يُصلِّي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى المستوجبين الصلاة من أهله، أما بعد:
  فقد بلغني حبُّك أهل بيت نبيك عامّة؛ ويحيى بن عبد الله خاصة؛ لمكان النبي صلى الله عليه وآله منهم، ولموضعهم الذي فضَّلهم الله به من نبيّنا، فلقد وُفِّقْتَ لرشدك بمودَّتِك لهم؛ لأنَّهم أحق الناس بذلك منك ومن الأمة، وأقَمْنهُم(٣) أن يقربك حُبُّهُم إلى ربك؛ لأنهم أهل بيت الرحمة، وموضع العصمة، وقرار الرسالة، وإليهم كان مختلف الملائكة، وأهل رسول الله وعترته، فهم معدن العلم وغاية الحكم، فَتَمَسَّك بصاحبك واستظل بظله
(١) الزاب: على أطراف الصحراء في سمت بلاد الجريد من عمل إفريقية، وهي على عشر مراحل عن القيروان.
(٢) عبد الوهاب بن رستم: ولي إمرة الإباضية بتاهرت توفي ٢٠٨ هـ.
(٣) قسمين: بمعني خليق أو جدير.