[رسالة أبي يحيى الفقيه]
  وأعِنْهُ على أمره، وارضَ به محلاً، ولا تبغِ به بدلاًفإنَّه من شجرةٍ باسقة الفُرُوْعِ، طيبة النبع، ثابتة الأصل، دائمة الأُكل، قد ساخت عروقها فهي طيّبة الثرى، واهتزت غصونها فهي تنطف النّدى، وأورقت منضرة، ونوّرت مُزْهِرَةً، وأثمرت مُوفَرة؛ لا يُنقص ثمارها الجناة، ولا شرعَهَا السُّقَاةُ، فمن نزل بها وآوى إليها وَرَدَ حِيَاضاً تفيض، ورعي رياضاً لا تغيض، وشرب شراباً رَوِّياً هنيئاً مرياً متلألاً، عريضاً فَضِيضاً، فَرَوِيَ وَارْتَوى وأرْوَى(١) من قرار رواءٍ بدلاء ملأى، مبذولة غير ممنوعة، معروضة غير مقطوعة، فاستمسكْ بالعروة الوثقى من معرفة حق الله عليك في نصرة يحيى وتحريم حرمته، واستغنم الظفر بما يلزمك من حفظه؛ لمكان النبي #، ومكان الوصي بعده الإمام، ومكان أهله منه، وحفظ دين الله فيه خاصة، وفي أهل البيت عامة.
  «وأحببهم جميعاً حباً نافعاً، واجعل حبك إيَّاهُمْ حباً دائماً من غير تقصير ولا إفراط ولا احتراق ولا اختلاق، تجمعهم إذا تفرقوا ولا تفرّق بينهم إذا اجتمعوا، ولا تصدق عليهم أهل الفرية من الرافضة والغلاة، فإنهم أهل العداوة للقائمين بالحق من عترة الرسول، وسوء النية فيهم، والجرأة على الله بالإفك والشنئان، وهم أهل الخلابة وقلّة المهابة للعواقب»(٢).
(١) في الحدائق: «فروي وارتوى من رواءٍ بدلاء ملاء».
(٢) إننا بالنظر إلى الرسائل المبكرة للأئمة الزيديين وأتباعهم من الشيعة نعرف الأسلوب البياني الرائع والرفيع الذي يتضمن في ثناياه الحجة الدامغة والدليل المقنع للمراد تبيينه وتوضيحه من خلال انتقاء الألفاظ الفخمة السلسة؛ والمعاني المشبعة بالحكمة والموعظة الحسنة؛ الدالة على عمق التجارب الحياتية؛ ففي هذه القطعة من الرسالة نستخلص مفهوم التشيع الصادق والموافق لما يريد الله ورسوله، هذا المفهوم الذي أخطأه الكثير، واقتفاه البعض؛ فكانوا للأئمة من أهل البيت اليد الضاربة والدرع =