[رسالة أبي يحيى الفقيه]
  واعلم أن من اعتقد ترك ما نُهِيَ عنه في السِّر الباطن؛ وأظهر الحق في المواطن، ولزم التقوى، وحفظ حق ذي القربى، وتجنب في حبِّهم الجوْر والحزونة؛ وسلك الطريقة الوسطى، وسار فيهم بالقسط والسهولة، وأقرّ بالفضل لأهله، وفضّل ذا الفضل منهم بفضله وتبريزه به، ودعا إلى الله وإلى كتابه وسنة نبيه، ولم يرَ الإغماض في دينه، ولم ينقض مبرماً، ولم يستحل محرماً، فمن كانت هذه صفته لحق بالصالحين من سلفه وبخير آبائه الطاهرين.
  فتدبر ما وصفتُ لك، ومّيزه بقلبك، فإن كنتَ كذلك لحقتَ بأهل الولاية الباطنة والموَدَّة الواتنة(١) التي لم تغيرها فتنةٌ ولم تصبها أبنة(٢)، فتسكن خير دار عند أكرم جار، بأهنأ راحةٍ وأفضل قرارٍ، في مقام لا تشُوبُهُ المكاره والغلّ، ولا يعاب أهله بسوء الأخوة والبخل، يتلاقون بأحسنِ تحيةٍ، بصدور بريَّة وأخلاق سنيةٍ، لا تمازجها الريبة، ولا تنشاع فيها الغيبة، قد وصلهم الله بحبله فاتصلوا به، وجمعهم في جواره فاستبشروا به، فعلى ذلك يتواخون وبه يتواصلون، يَتَحَابُّون بالولاية، وَيَتَوادُّون بحسن الرِّعاية؛ فهم كما ق ال الله تعالى: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ}[سورة الفتح: ٢٩]. فهم مِثْلُ من خَلا من قبلهم
= الواقي؛ يأتمرون بأمرهم في ساعة العسر، ويستهدون بهديهم في الدعة والرخاء، فهم على منهاجهم ملتزمين طريقتهم في القول والفعل.
(١) الواتنة: الشيء الثابت الدائم في مكانه.
(٢) أبنه: التهمة والعيب، وفي بعض الروايات: الوهن، قال الزبيري في قصيدته التي أدت به إلى اليمين الزبيرية
وأعظم الناس عند الناس منزلة ... وأبعد الناس من وصم ومن أبن