[جواب يحيى # على الرشيد]
  شديد العقاب.
  وأما ما دعوتني إليه من الأمان وبذلتَ لي من الأموال فمثلي لا تثني الرغائب عزمته، ولا تنحل لخطيرهمته، ولا يبطل سعياً باقياً على الأيام أثرُه، ولا يؤثر جزيلاً عند الله أجرهُ بمالٍ فانٍ، وعارٍ باقٍ، هذه صفقة خاسرة وتجارة بائرة، أستعصم الله منها، وأسأله أن يعيذني من مثلها بمّنه وطوْله، أفأبيع المسلمين؟ وقد سمت إليَّ أبصارهُم، وانبسطت نحوي آمالهم بدعوتي، واشرأّبت أعناقُهم نحوي، إني إذاً لدنيُّ الهمّة، لئيم الرغبة، ضيق العطن(١).
  هذا والأحكام مُهملة، والحدود مُعطّلة، والمعاصي مُسْتعملة، والمحارم منتهكة، ودين الله محقور، وبصيرتي مشحوذة، وحجة الله عليَّ قائمة في إنكار المنكر.
  أفأبيع خطر مقامي مالكم؟، وشرفَ موقفي بدراهمكم؟، وألبس العارَ والشنار بمقامكم؟. {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ٥٦}[الأنعام: ٥٦].
  ووالله ما أكلي إلا الخشب، وما لباسي إلا الخشن، ولا شعاري إلا الدرع، ولا صاحبي إلا السيف، ولافراشي إلا الأرض، ولاشهوتي من الدنيا إلا لقاءكم والرغبة إلى الله في مجاهدتكم، ولو موقفاً واحداً انتظار إحدى الحسنين في ذلك كله من ظفر أوشهادة.
  وبعد:
  فإن لنا على الله وعْداً لا يخلفه، وضماناً سوف ينجزه، حيث يقول: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
(١) العطن: الجلد يقال انعطن الجلد أي وضع في الدباغ وترك حتى أنتن.