[خطبة يحيى # للشهود]
  أنتم مع الدنيا بمنزلة السقب مع الناب الضبعة الضروس متى دنا إليها لينال من درّها منعته، وإن أتى إليها من أمامها خَبطَتْه، أو من ورائها رمَحْته، أو من عرضها عضّته، فما عسى أن يصيب منها، هذا على تفرّق شملكم واختلاف كلمتكم، لا تحلّون حلالاً ولاتحرمون حراماً ولا تخافون أثاما؛ قد ران الباطل على قلوبكم فلا تعقلون، وغطّت الحيرة على أبصاركم فما تبصرون، وأسكت الغفلة أسماعكم فما تسمعون، على أن عود كم نضار، وأنكم ذوو الأخطار، ثم مَنَّ الله عليكم وخصّكم دون غيركم فابتعث فيكم محمداً صلى الله عليه وآله منكم خاصة، وأرسله إلى الناس كافّة، وجعله بين أظهركم ليميز به بينكم، وهو تبارك وتعالى أعلم بكم منكم بأنفسكم، فاستنقذكم من ظلمة الضلال إلى نور الهدى، وجلا غشاوةَ العمى عن أبصار كم بضياء مصابيح الحق، واستخرجكم من عمى بحور الكفر إلى جدد أرض الإيمان، وجَّمل برفقه ما انفتق من رتقكم، ورأبَ بيمينه ما انصدع من شبعكم، ولَمَّ بإصلاحه ما فرَّقت الأحقاد والجهل من قلوبكم، ثم اقتضب برمحه لكم الدنيا الضبعة فذّلت بَعْد عَنَت، ثم أبسّها بسيفه فأرزمت وتفاجت واجترت بعد ضرس، ودرّت؛ ومري ضرعها بيمن كفّه فاختفلت أخلافها وانبعثت أحالبها، فرأمتكم كما ترأم الناب المقلاة طلاها، فشربتم عَلَلاً بعد نهل، وملأتم أسقيتكم فضلاً بعد اكتظاظ، وتركها رسول الله ÷ تدور حولكم وتلوذ بكم كما تلوذ الزجور بسقبها، فلمَّا أقام أوَدَ قناتكم بثقاف الحق، ورحض بظهورالإسلام عن أبدانكم دَرَن الشرك، ولحب لكم الطريقَ، وسنّ لكم السنن، وشرع لكم الشرائع؛ خافضاً في ذلك جناحه؛ يشاوركم في أمره، ويواسيكم بنفسه، ولم يبغ منكم على ما جاء كم به أجراً إلا أن تودُّوه في قرباه، وما فعل صلى الله عليه وآله ذلك حتى أنزل الله عليه قرآناً، فقال تبارك وتعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي