مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة في قوله، {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا}]

صفحة 251 - الجزء 1

  كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}⁣[التوبة: ١١٥]، وقوله: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ١٣٤}⁣[طه]، وقوله: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ٣١}⁣[غافر]، وقوله: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ٣٣}⁣[النحل: ٣٣].

  وأما قولك: إنا نُسأل فيُقال لنا: أليس إنما يريد الله أن يضله؟!

  فهذه الحجة عليك لنا، لأنا نحن نقول إن كان من تأويل الآية ف {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}⁣[الأنعام: ١٢٥]، بلا سبب كان منه ولا معنى، ولا جرم تقدم من فعله، ولا أمر دُعي إليه فتركه، ولا نَهي نُهي عنه فلم يئتهِ عن فعله، وإنما أضله بلا حجة لزمته له.

  فإن كان هذا هكذا، فالقول قولكم، ووجب بلا شك أن التأويل للآية فهو {مَنْ يُرِدْ} - الله – {أَنْ يُضِلَّهُ} - لا محالة – {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}⁣[الأنعام: ١٢٠]، ولكنه ينتقض عليكم بما ذكره عن نفسه ø في القرآن المبين، الذي قال الله فيه: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}⁣[النحل: ٨٩]، وقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}⁣[الأنعام: ٣٨]. ألا تسمع إلى قوله: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ١٠٨}⁣[آل عمران]، وقوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ٣٩}⁣[النجم]، وقوله: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}⁣[المائدة: ٨٩]