مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[شبهة في قوله، {أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم}]

صفحة 261 - الجزء 1

  الحدّ على من سرق، لأنه عزيز حكيم، والحكيم لا يفعل إلا الحكمة والعدل. ثم قال: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ}⁣[المائدة: ٣٩]، فنسب الظلم والإصلاح إليه، ثم قال: {فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٣٩}⁣[المائدة].

  وزعمت أنت وإخوانك المجبرة أن من علم الله منه أنه لا يتوب، أن الله لا يريد منه التوبةَ، لأن في ذلك - زعمتم - فساد علمه، ولو كان الأمر على ما قلتم، ما جاز في الحكمة أن يقول: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٣٩}⁣[المائدة]، كأنكم ما سمعتم هذا القول في كتاب الله قط ولا قرأتموه، ولا فكّرتم فيه ساعة واحدة، حبًّا للمكابرة، وعصبية على الجهل، وتقليدا للكبراء، فلا يبعد الله إلا من ظلم.

  ثم قال ø على أثر هذا القول الذي شرحنا من القرآن: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٤٠}⁣[المائدة]، فوالله ما عنى ø أنه يغفر لكافر ولا مشركٍ ماتا على الاصرار، ولا لغيرهما من الظالمين ممن أصرّ على الظلم والعدوان، ولا أنه يغفر المؤمن لم يأت بجميع فرائضه، وإنما عنى بذلك: أهل الاستحقاق، لأنه ø يشاء أن يغفر للمؤمنين، ويشاء أن يعذّب الكافرين والمشركين، وتصديق ذلك قوله ø: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}⁣[النساء: ٤٨، ١١٦]، يعني: لمن تاب ورجع إلى الحق، وأقلع عن الخطايا.

  وقوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}⁣[الأعراف: ١٥٦]، ثم قال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ}⁣[المائدة: ٤١]، فاسمع أنت إلى هذه الصفة وهذا العدل من الله ø إنه