[شبهة في قوله، {أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم}]
  عزّى نبيه صلى الله عليه أن لا يحزنه مسارعتهم في الكفر الذي اختاروه، وآثروا فيه الهوى على اتّباع الحق، وأنهم آمنوا بالقول بالأفواه، لا بالصحة من القلوب و اعتقاد الضمائر، ثم قال ø: {لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}[المائدة: ٤١].
  فإن قال قائل: في هذه الفتنة في هذا الموضع، نحن نجد الله يريد فتنة الناس؟
  قلنا له: إن الفتنة تّصرف في كتاب الله ø على عشرة أوجه واضحة في القرآن:
  فمنها عذاب.
  ومنها فتة سيف.
  ومنها فتنة محنة، وهذه الفتنة في هذه الآية يجوز أن تكون عذاباً، والدليل على ذلك قوله ø: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ١٣}[الذاريات]، وليس في الآخرة فتنة إلا العذاب، لأن الفتنة عندك هي الحرب، وليس في الآخرة حرب ولا إغراء ولا سيف.
  والفتنة أيضا هي محنة، والدليل على ذلك، قول الله ø في موسي صلى الله عليه: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا}[طه: ٤٠]، وموسى صلى الله عليه غير مفتون بالفتنة التي ذهبت إليه المجبرة والعوام، وكذلك قوله ø: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ٢٤}[ص]، أي: أيقن آنا امتحناه، لأن الظن في مواضع من القرآن يقين، من ذلك قوله: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ