[شبهة في قوله، {إنما نملي لهم ليزدادوا إثما}]
  الجواب قال أحمد بن يحيى ª: وسألت عن قول الله جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا}[آل عمران: ١٧٨]، وقلتَ: إن الله سبحانه أملى لهم ليزدادوا إثما، أرادهم بذلك جبراً وقسراً، بلا سبب ولا أمر استحقوه، وهذا قولكم، وإليه يؤول مذهبكم.
  وزعمت أن الله ø أملى لهم لتكون المعصية منهم، والله تبارك وتعالى لا يبدأ أحداً من خلقه بظلم ولا جور، ولا يجبره على أمر يدخل به النار، ولا يريده منهم، ولا يقضيه عليهم، وإلا فأين قوله ø: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ١٤٣}[البقرة: ١٤٣، الحج: ٦٥]؟!
  وانما تكون الآية في القرآن على وجه حكم الله ø بها على مستحق استحقه باختيار نفسه، واتباع هواه، ولها آيات تفسرها وتدلّ على معانيها، والله ø يقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ٨٢}[النساء]، وأنت وإخوانك المجبرة لا تعقلون ذلك، ولا تهتدون إلى معاني العدل فيه، فأنتم تخوضون في سكرة وحيرة، تريدون أن تقوموا بعذر جميع الكفار، وأن الله ø إنما أملى لهم - زعمت - ليزدادوا كفراً به ومعصية له، وليس الحكيم يريد أن يُعصَى ولا يُكفَر به، سبحان الله ما أعظم هذا من القول! وإنما أملى لهم ø لكمال الحجة، ولأنه تبارك وتعالى قد فتح باب التوبة رحمةً منه لخلقه، وتفضلاً وتعطفاً وتطولاً عليهم، وجعله سيباً للرجوع إلى الطاعة، فمن أراد أن يتوب تاب، لا مكرهاً ولا مجبوراً، ومن أراد أن يصرّ على الكفر أصرّ، لا مكرها ولا مجبوراً، فصار ذلك الإملاء حجة عليهم، لأن الله ø يقول: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ٣٧}[فاطر]، فساهم ظالمين،