[شبهة من ميز بين الكفر والايمان]
  ولو شاء العباد لصنعوا الكفر إيمانا، والايمان كفرا، لأنهم إنما صنعوهما وجعلوهما، وحسّنوهما وقبّحوهما، والله لم يصنع ذلك ولم يجعله، ولم يقبّح الكفر، ولم يحسن الايمان ا أفليس لو شاء العباد لجعلوا الكفر إيمانا، والايمان كفرا؟!
  وهم الذين يقبّحون ويحسّنون، فلو حسنوا الكفر وقبحوا الايمان، لكان كما صنعوا، لأنه ليس لله فيه صنع. فإذا كانوا يجعلونه في بالُهم لا يغيرون إن شاؤوا ما قبحوا، فيعلونه حسنا ويحسنون ما قبحوا؟!
  فإن أعطوك أنهم إن شاؤوا فعلوا ذلك، فقد أمكنوك من حاجتك، وأعطوك أن العباد لو شاؤوا لأثاب الله على الكفر الجنة، وعذب على الإيمان، ولو شاء العباد جعلوا الكفر إيمانا، والايمان كفرا، ولم يجعلوا لله في ذلك صنعة، وجعلوا الجنة لمن شاؤوا هم، والنار لمن شاؤوا، ولن يعطوك هذا. ولا بد لهم إن أحسنت أن تسألهم.
  فانظر مواقع هذه المسائل، فإنك إن أحسنت مساءلتهم على هذا الوجه، وقادوا لك هذا الكلام، دخلوا في الزندقة.
  وإن قالوا: إن الله إنما جعل اسم الكفر واسم الايمان، ولم يجعل الأيمان ولم يجعل الكفر، فقل لهم عند ذلك: أخبروني عن اسم الايمان، أهو الايمان؟ وعن اسم الكفر، أهو الكفر؟
  فإن قالوا: اسم الايمان هو الايمان، واسم الكفر هو الكفر، فقد أعطوك أن الله جعل الإيمان والكفر، وصنعهما وخلقهما، لأن اسم الكفر هو الكفر، واسم الايمان هو الايمان، فإذا جعلُ الأسماء فالأسماء هي الأشياء بعينها، فقد جعل أسماءها وأسماؤها هي هي، وليس اسم الكفر غير الكفر، وليس اسم الايمان غير الايمان.
  فقد لزمهم لنا أن الله قد جعل الكفر والإيمان، وصنعهما وخلقهما.