[شبهة من ميز بين الكفر والايمان]
  وإن قالوا: إن اسم الكفر غير الكفر، واسم الايمان غير الايمان، والكفر المعنى الذي وقع عليه الاسم، والاسم ليس بكفر ولا إيمان!
  فارجع إلى صدر مسألتنا فقل لهم: أفليس العباد جعلوا الايمان غير الكفر، والكفر غير الايمان، وهم جعلوا الكفر قبيحا، والايمان حسنا، والله لم يجعل ذلك؟!
  ثم ارفع إلى ما رفعتهم في صدر المسألة، فإنهم لن يجدوا مخرجا، {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ٨٨}[النساء: ٨٨ - ١٤٣].
  الجواب قال أحمد بن يحيي ª: إنما هذه المسألة التي طولت فيها، إنما كررت فيها المعاني بألفاظ مختلفة، وكلها تقتضي معنى واحدا، ونحن نقول: إن الله ø ذكر الجعل في كتابه ووصفه ø على وجهين اثنين، واضحٌ ذلك في القرآن غير خفي عن أحد، لأنه حجة الله ø على خلقه التي لم تتدبرها المجبرة، ولم يركنوا فيها إلى العلماء، ولم يأخذوا الحق من معدنه، وقلدوا عبد الله بن يزيد البغدادي وغيره أمر دينهم قبل البحث وإنعام النظر، ووطء الحجج والبراهين الشاهدة للحق، فهلكوا عند الله ø.
  واعلم أن أحد الوجهين اللذين ذكرتُ لك أن الجعل على وجهين:
  أحدهما: جعلُ حكم وتسمية، أي: سماهم بفعلهم، وحكم عليهم بفعلهم، لا أنه خلق ذلك ولا قدّره، وهو قوله ø: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}[السجدة: ٢٤]، أي: سميناهم بفعلهم، وحكمنا عليهم بفعلهم، مثل ما تقول العرب في لغاتها التي قد جعلها الله ø حجة على قوم محمد صلى الله عليه وعلى آله، حين يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}[إبراهيم: ٤]، فلو جاءهم بغير اللغة العربية ما عرفوه عنه، ولا لزمتهم طاعة، فتقول العرب:
  أضلني فلان، أي: سمَّاني ضالاً.