[شبهة من ميز بين الكفر والايمان]
  قالوا، قوله جل ثناؤه: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ٧}[الحجرات]، يعني ø: أنه حبب الايمان إلى من أراد الدخول فيه، بما وصف من جنات النعيم، وشوق إليه من الملك العظيم، والثواب الكريم، وكذلك كره الفسوق والعصيان، إلى من أحب ترك ذلك من العالمين، بما أوعد من فعله وعصى فيه، من العذاب المقيم، والنكال الأليم، والمقام في خلود الجحيم، لا أنه جبر أحدا من خلقه على أحد من الأمرين، من الأولين والآخرين. ولو جبرهم على الطاعة أو المعصية جبرا - كما قلتم - لم يجب للمجبورين ثواب، ولا عليهم عقاب.
  وأما قولك: كيف يثيب الله على ما لم يجعله هو ø إيمانا ولا كفرا؟!
  فنقول لك ايها المغرور، المغلط في دينه، والتارك لكتاب ربه: هل رأيت رجلا قط خاط ثياب نفسه، ثم لما فرغ منها أعطى خياطا آخر أجرة ثيابه التي خاطها هو لنفسه؟ أو هل يجوز ذلك في التعارف، أو في اللغة، أو في العقول؟!
  أو هل رأيت رجلا قط بني دارا بيده حتى إذا فرغ من عمهارتها أعطى البنائين أجرة ما بنى هو بيده لنفسه؟!
  أو هل رأيت جمّالا حمل نفسه وأولاده على جماله إلى مكة، ثم أعطى الجمالين كراء جماله التي يمكلها، ولم يخرجوا معه إلى مكة ولم يسافروا، وأعطاهم الكراء على غير عمل؟!
  فهل هذه الصفة تجوز في حكمة حكيم، أو في صفة متقن عظيم؟!
  أو هل سمعت - ايها المخدوع المعجب بجهله - آية واحدة من كتاب الله ø تشهد بما قلت إنه يثيب أحدا على خلقه، الذي هو تولى خلقه، أو يثيب أحدا على أمر تولى هو ø صنعه دون غيره؟!