مجموع كتب الإمام الناصر أحمد بن الهادي،

الإمام الناصر أحمد بن يحيى (المتوفى: 325 هـ)

[هل تزيين الايمان وتكريه الكفر من الله]

صفحة 95 - الجزء 1

  فهذا التحبيب بالصفة، لا أنه سبحانه أكرههم عليه جبراً، ولا كوّنه فيهم قسرا، وكذلك التكريه للكفر، إنما هو بما خوّف وحذّر، وأعذر وأنذر، ووصف من السلاسل والأغلال، والحميم والجحيم، والسحب على الوجوه والُمهلِ، والزقّوم والغِسلِين، وقوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}⁣[النساء: ٥٦]، فهذا معنى التحبيب والتكريه، الذي جهلته لا غير ذلك.

  ولو كان على ما ذهبتَ إليه، ومن قال بقولك من أهل الجبر، لم يقل ø: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٧}⁣[السجدة]، ولوجب أن يقول: جزاءً با عملتُ أنا فيكم، وصوّرتُه في قلوبكم، قسراً وجبراً، والله ø متعالٍ متقدّس عن قول المحال، وخلق الأفعال، وإرادة الضلال، ومشابهة الجهّال، والدخول فيها عملوا من الأعمال.

  وأما ما سألت عنه من اختلاف التوحيد، فالتوحيد لا يختلف ولا يتناقض، ولا يبطل شيء منه، لأنه دين الله ø، الذي لا تُدخَل الجنةُ إلا بمعرفته، وسائر الفرائض فهي تبع له وللعدل، فما نعلم التوحيد يختلف في قول أحدٍ إلا معكم، فإن توحيدكم الذي سميتموه توحيداً هو الذي يختلف ويتناقض، لما شبّهتم الله ø بخلقه الجائرين، وعبيده المفسدين، وليس يجوز لأحدٍ من الخلق جهلُ بعض صفة الله ø، بل معرفةُ العدل والتوحيد فريضة لازمة لجميع أهل الأرض، من البالغين الكاملة عقولهم، لا عذر لأحد في ذلك، لأن العدل والتوحيد أصل الاسلام، وقوام الدين، ولا يستقيم اعتقاد واحد منها إلا باعتقاد الآخر، ولم يضع الله ø علم التوحيد ولا العدل عن مكلّف من جميع الخلق.