نكت العبادات وجمل الزيادات،

جعفر بن أحمد بن عبد السلام (المتوفى: 573 هـ)

باب آداب القاضي

صفحة 48 - الجزء 1

بَابُ آدَابِ القَاضِي

  لَا يَنبَغِي أنْ يَتَقَلّدَ الْقَضَاءَ بيَنَ الناّسِ إِلّا مَنْ جمَعَ فُنوُناُ خمَسْةُ: أَحَدُهمَا: العَقْلُ الْوَافِرُ؛ لأنّ ناَقِصَ الْعَقْلِ لَا يُرْشِدُ نفَسَهُ؛ فَكَيْفَ يُرْشِدُ غَيْرَهُ؟! وَالثانِي: الرّزَانةَ وَالْوَقَارُ؛ لِئَلّا يستَنْفِرهُ الْغَضَبُ وَالْطّيْشُ؛ فَيَتَعَدّى الْحُدُودَ. وَالثالِثُ: الصّلَاحُ فِي الدّينِ؛ بإِقَامَةِ الْفَرَائضِ، وَاجْتِناَبِ الْمَحَارِمِ. وَالرابعِ: الْعِفّةُ عَنِ الْمَطَامِعِ الّتيِ تُدْخِلُ عَليْهِ التّهْمَةَ، وَتقَدَحُ فِي الْعَدَالَةِ. وَالخْاَمِسُ: الْعِلْمُ الذِي مَعَهُ يَصْلُحُ لِلْقِيَامِ بِفَصْلِ الأحْكَامِ؛ وَلَنْ يَتِمّ ذَلِكَ إِلّا بِأنْ يَكُونَ عَالِمُا بِأصُولِ الدّينِ وَفُرُوعِهِ، حَتّى يَكُونَ مِنْ أهْلِ الِاجْتِهَادِ. وَإذِا تقَاضَى إِلَيْهِ الخَصْمَانِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُسَاوَاةُ بيْنهُمَا فِي كُلّ حَالٍ. وَيجِبُ أنْ يَتَحَرّزَ وَيَتثَبّتَ فِي الأمُورِ؛ لِئِلّا يَقَعَ مِنهُ غَلَطٌ أَوْ تقَصِيرٌ فِي الأحْكَامِ. وَلَا يجُوزُ لَهُ أنْ يَحْتجِبَ عَنِ الخُصُومِ إِلّا فِي الأوْقَاتِ الّتِي تمَسّ الْحَاجَةُ فِيهَا إِلَى الْحُجْبَةِ. وَلَا يَقْضِي وَهْوَ غَضْبَانُ، وَلَا مَشْغُولُ القَلْبِ. وَلَا يَنقْضُ حُكْمُا ثبَتَ بِاجْتِهَادٍ مِنهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأجْلِ اجْتِهَادٍ آخَرَ تقَوّى عِندْهُ، وَإنمَا ينَقْضُ ذَلِكَ إِذَا قَامَ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى خِلَافِهِ: مِنْ كِتَابٍ، أَوْ سُنةٍ، أَوْ إِجمْاَعٍ. وَيجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائبِ، كَمَا يَجُوزُ عَلَى الْحَاضِرِ.

بَابُ التّفْلِيسِ وَالحَجْرِ

  إِذَا ادّعَى الْغَرِيمُ الإِفْلَاسَ، وَظَاهِرُ حَالِهِ الْيَسَارُ، لمَ تقُبَلْ دَعْوَاهُ إِلّا بِالْبَيّنَةِ، وَإِذَا كَانَ ظَاهِرُ حَالِهِ الفَقْرَ، وَادّعَى غُرَمَاؤُهُ يسَارَهُ، فَعَلَيْهِمُ الْبيَنةَ، وَإنِ الْتَبَسَ حَالُهُ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتّى يَتَبَيّنَ أمْرَهُ، وَمَتَى رَأىَ الْحَاكِمُ تحْلِيفَهُ عَلَى إِعْسَارِهِ حَلّفَهُ. وَإنِ كَانَ هَذَا الْغَرِيمُ قدِ اشْتَرَى سِلْعَةُ مِنْ إِنسَانٍ، وَوُجِدَتْ قَائمِةُ فِي يَدِهِ - كَانَ باَئعِهَا أوْلَى بِهَا إِنْ بيَنَ، وَإ لِا كَانَ أسْوَةَ الْغُرَمَاءِ. وَإنِ كَانتْ قَدْ زَادَتْ زِيَادَةُ مُنفْصِلَةُ: كَالْوَلَدِ وَالثّمَرَةِ كَانَ الْبَائعِ أوْلَى بِالْأصْلِ دُونَ الزّيَادَةِ، وَتكَونُ الزّيَادَةُ لِلْغُرَمَاءِ. وَإنِ كَانَتِ الزّيَادَةُ