مقدمة المؤلف
  الصدقة، ودليل كل من القولين مبسوط في مواضعه. (وصحبه): جمع صاحب وهم المؤمنون الذين أدركوا صحبة النبي ÷ مع الإيمان. (ومن على منواله): المنوال الخشبة التي يطوي عليها الحائك ما ينسجه، وهو استعارة هنا، والمراد بهم مَنْ تبع النبي ÷ وسار بسيرته، وحذا حذوه من الأمة المحمدية. ووجهُ البداية بالحَمْدَلَةِ(١) اقتداءً بالكتاب العزيز بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٢} ولما جاء في بعض الأخبار: «كُلُّ أَمْر ذِي بَالٍ لَمْ يُبْدَأْ فِيهِ بِحَمْدِ الله - وفي رواية: بِبِسْمِ اللهِ فَهْوَ أَبْتَرُ - أي مقطوعُ البركة -»(٢). وتعقيبه بالصلاة والسلام على النبي محمد ÷ تشريفًا وتعظيمًا لجَنَابِ رسول ÷، ولقوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ٥٦}[الأحزاب]. ولا يخفى على الناظر ما في الديباجة من براعة الاستهلال في قوله: (أَوْرَثنا) وذكر الفرائض والسهم والحجب وغير ذلك. قوله:
  ٦ - وَبَعْدُ فَالْعِلْمُ خَطِيْرٌ قَدْرُهُ ... مُعَظَّمٌ عِنْدَ بَنيْهِ أَمْرُهُ
  (وبعد): أي بعد زمن الفراغ من الحمد والصلاة والسلام، حُذِفَ المضافُ إليه لكونه معلومًا، وبُنِيَ على الضم، ومحله النصب بأَمَّا المقدرة في نظم الكلام، المحذوفة لتعويض الواو عنها اختصارًا مع الربط الصوري، فالفاء في قوله: (فالعلم) لأجلها. والعلم له حدود كثيرة. وهو بالمعنى الأعم حصول صورة الشيء في العقل أو عنده، والمراد به العلوم الشرعية النافعة. (خطير) أي رفيع. (قدره) شأنه ومحله وشرفه. (مُعظم) مبجل. (عند بنيه): أهله، خصهم بالذكر؛ لأن من لا يعلم. إنما هو عدو للعلم لا يحصل منه تعظيم له ولا توقير لأهله؛ لأن الناس أعداء ما جهلوا كما قاله أمير المؤمنين(٣). (أمره): شأنه.
  ٧ - بِهِ يَنَالُ الْفَوْزَ كُلُّ طَالِبِ ... وَيَرْتَقِي لِأَرْفَعِ الْمَرَاتِب
  (به): أي بالعلم، (ينال): يحصل، (الفوز) النجاة. (كل طالب): فاعل ينال، (ويرتقي): مِنْ رَقِيَ إذا صعد، (لأرفَعِ): لأعلى، واللام بمعنى إلى (المراتبِ): جمع مرتبة، وهي المحل العالي.
  ٨ - فَقَدِّمِ الأَهَمَّ فَالأَهَمَّا ... ثُمَّ اجْتَهِدْ تُحِطْ بِذَاكَ عِلْمَا
  (فقدم) أيها الطالب (الأهم) المقدم منها (فالأهما) الألف للإطلاق، والمراد أن طالب كل علم ينبغي له أن يقدم منه ما هو الأهم منه، والذي منفعته آكد من غيره من العلوم، مثلًا
(١) يسمى بالنحت، كالسبحلة: سبحان الله، والحوقلة: لا حول ولا قوة إلا بالله، ونحو ذلك.
(٢) مسند أحمد ٢/ ٣٥٩ رقم ٨٦٩٧، وابن أبي شيبة ٥/ ٣٣٩ رقم ٢٦٦٨٣، والبيهقي في السنن ٣/ ٢٠٩، والموطأ ١/ ١، وابن حبان ١/ ١٧٤ رقم ٢.
(٣) نهج البلاغة ٤/ ٧٢٤ من مجموع مختار من حِكَمِ أمير المؤمنين، الحكمة رقم (٤٣٢) نهاية النهج.