باب معرفة إرث العصبة
بَابُ معرفةِ إرثِ العصبةِ
  ٢١ - فَإِنْ تُرِدْ مَعْرِفةً لِلْعَصَبَهْ ... فَهَاكَ فَاسْمَعْ نَظْمَهَا مُرَتَّبَهْ
  (فإن ترد) أيها الطالب، (معرفة للعصبة): المتقدمي الذكر، (فهاك فاسمع) واعقل، (نظمها) وتأليفها على نسق (مرتبة) يتلو بعضها بعضًا. قوله:
  ٢٢ - أَوَّلُهَا الأَبْنَاءُ سَافِلِيْنَا ... وَهَكَذَا الآبَاءُ صَاعِدِيْنَا
  (أولها): أي أول العصبة وهم الأبناء حال كونهم سافلين. فإن قلت: يُفهم من التقييد بالحال أن الأبناء المراد بهم السافلون وهو كل درجة أسفل مما فوقها بدلالة المفهوم.
  قلتُ: مفهوم الحال هو من مفهوم الصفة وهو قد يتخلف وإنما نبه بقوله: (سافلينا) لئلاّ يتوهم خروج من سفل من الأولاد، وأن العصبة ما كان من الصلب فقط فتنبه، والدليل على ميراثهم قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}[النساء ١١] فلفظ أولاد: جمع مضاف، وهو من ألفاظ العموم، فيشمل الذكر والأنثى، والكافر والقاتل إلَّا أن الكافر والقاتل خرجا من العموم لقوله ÷ في الكافر: «لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، وَلَا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ»(١)، والقاتل لقوله: «الْقَاتِلُ عَمْدًا لَا يَرِثُ»(٢)، وهو من التخصيص المنفصل كما علم في الأصول(٣). (وهكذا الآباء): حكمهم كالأبناء في كونهم من العصبة، (صاعدينا): نصب على الحال، والألف فيه وفي سافلينا للإطلاق، والكلام هنا كالكلام في الحال المقدم، وإنما ورد للتنبيه على دخول ما صعد من الآباء كالأجداد مَا علوا. أما الدليل على الأب فقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}[النساء: ١١]، فإنه يَحُوزُ ما بقي بالتعصيب؛ إذ لا يحجبه إلا الابن وابنه كما سيأتي. واعلم أن العصبة مرتبون هنا على ترتيبهم في الميراث فلا ترث الدرجة السفلى إلا مع عدم ما فوقها من الدرج. وأما الدليل على إرث العصبة مطلقًا من السنة، فقوله ÷: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»(٤) متفق عليه، وما أخرجه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن المديني، وابن عبد البر عن عمر بن الخطاب قال: سمعت النبي ÷ يقول: «مَا أَحْرَزَ الوَالِدُ أَوِ الْوَلَدُ فَهْوَ لِعَصَبَتِهِ مَنْ
(١) التجريد ٦/ ٦٤، والبخاري ٦/ ٢٤٨٤ رقم ٦٣٨٣، ومسلم ٣/ ١٢٢٣ رقم ١٦١٤، وأبو داود ٣/ ٣٢٧ رقم ٢٩٠٩، والترمذي ٤/ ٢٦٩ رقم ٢١٠٧، وابن ماجة ٢/ ٩١١ رقم ٢٧٢٩، والبيهقي ٦/ ٢١٧، وأحمد ٨/ ١٧٤ رقم ٢١٨٠٦ (ر)، والحاكم ٤/ ٣٤٥، والدارمي ٢/ ٣٧٠، وعبدالرزق ٦/ ١٥ رقم ٦٨٥٢، ومعاني الآثار ٣/ ٢٦٥، ٢٦٦.
(٢) التجريد ٦/ ٦١، والأحكام ٢/ ٣٠٣، والحاوي ١٠/ ٢٤٢، والمغني ٧/ ١٦٢، والطحاوي ١٤٢، والقوانين الفقهية ٢٥٩.
(٣) وهو ما استقل بنفسه ولم يخرج من ثبوته إلى ذكر لفظ العام معه، بخلاف المتصل. مختصر المنتهى وحاشيته ٢/ ٨٢٤.
(٤) البخاري رقم ٦٢٣٥، ٦٢٣٨، ٦٢٤، ومسلم رقم ٣٠٢٨.